fbpx

اقتصاد السعادة

ندى الشاذلي

أستاذة ورئيسة كلية إيفرست للأعمال

اقتصاد السعادة

مشاركة المقالة على المنصات الاجتماعية

Facebook
Twitter
LinkedIn

قطعا السعادة منتج اقتصادي وهي اليوم المشروع الأول على جدول أعمال الإنسانية. فلم تغفل مدرسة اقتصادية واحدة على مر العصور تأكيد أن دور الاقتصاد الأساسي هو تحقيق رفاهية الأفراد وسعادة المجتمع. لذلك حددت دور الدولة في التخطيط وإدارة الموارد الاقتصادية والبحث العلمي والسوق من أجل سعادة الشعوب. هذا ما جعل الآباء المؤسسين للولايات المتحدة يؤكدون على أن الحق في السعادة هو أحد حقوق المواطن الثلاثة غير القابلة للتصرف، وبموجب هذا الحق فإن على الدولة أن تضمن حق السعي لتحقيق السعادة لمواطنيها بنص الدستور.

دور الدولة في تحقيق السعادة


جاء في الوثيقة التأسيسية للولايات المتحدة “يضمن الحق في السعي نحو السعادة وليس السعادة ذاتها”. هذا الفارق الدقيق يعكس فلسفة أن الدولة ليست مسؤولة عن ضمان سعادة الأفراد، بل عن توفير الظروف التي تمكنهم من السعي نحو تحقيقها. هذا المبدأ يعني أن السعادة تظل مسؤولية فردية، تعتمد على الجهود الشخصية والاختيارات التي يقوم بها الأفراد. الدولة توفر البنية التحتية والفرص، ولكن في النهاية، يبقى الفرد هو المسؤول عن سعيه لتحقيق السعادة في حياته. ربما يخلق هذا المسلك جدلية: هل السعادة مشروع فردي أم هدف دولة؟


الفيلسوف اليوناني “أبيقور”، يرى أن السعادة هدف فردي يمكن تحقيقه من خلال البحث عن اللذة وتجنب الألم. بالنسبة لأبيقور، كانت السعادة شيئاً شخصياً نابعاً من الداخل، وليس مرتبطاً بالظروف الخارجية أو سياسات الدولة. كان يؤمن بأن الرضا يمكن تحقيقه من خلال البساطة والاكتفاء الذاتي، بعيداً عن تأثيرات المجتمع والسياسات الحكومية.

لكن في القرن الثامن عشر، جاء الفيلسوف البريطاني “جيرمي بنثام” ليصدم العالم بفكرته الراديكالية: السعادة يجب أن تكون هدف الدولة، السعادة مشروع اجتماعي اقتصادي بامتياز. “بنثام” مؤسس الفلسفة النفعية، جادل بأن السعادة الأعظم لأكبر عدد من الناس يجب أن تكون مقياساً لسياسات الحكومة وإدارة الموارد. وفقاً له، يجب على الدولة أن تسعى لتحقيق أكبر قدر ممكن من السعادة لمواطنيها، وأن تكون السياسات والقرارات مبنية على تحقيق هذا الهدف وبالتالي تقييم أداء الحكومات ومقياس نجاحها.

🔸إقرأ أيضاً: فن القيادة | 6 أسرار ودروس لقادة الشركات العالميين


“آدم سميث” الاقتصادي والفيلسوف الاسكتلندي، كان يؤمن بأن السعي الفردي لتحقيق المصلحة الذاتية يمكن أن يؤدي بشكل غير مباشر إلى تحقيق المصلحة العامة من خلال ما أسماه “اليد الخفية”. لكن في الواقع، الرأسمالية التي تطورت بعد سميث غالباً ما تركز على تعزيز الأرباح والقوة الاقتصادية للدولة والشركات الكبرى، بدلاً من التركيز على سعادة الأفراد ورفاهيتهم. الرأسمالية عملت على بناء دول قوية من خلال تطوير الأنظمة الصناعية والتعليمية والصحية، لكن الهدف الحقيقي كان تعزيز القوة الاقتصادية وليس بالضرورة إسعاد الشعوب.

مؤشرات السعادة القومية


في القرن العشرين، كان الناتج المحلي الإجمالي للفرد هو معيار تحقيق نجاح وتقدم الأمم. وبالتالي تتقدم سنغافورة التي يبلغ نصيب الفرد فيها من إجمالي ما تنتج من السلع والخدمات حوالي $5600 سنوياً على كوستاريكا التي يبلغ نصيب الفرد فيها من نفس المؤشر $1400 سنوياً لكن يتقدم مواطنو كوستاريكا على مواطني سنغافورة في مستويات الرضا والسعادة.

الأمر الذي دعا الاقتصاديين إلى ضرورة استبدال الـGDP بـ GNP أو الـGNE أو الـGNH. بدأت الكثير من الدول في السنوات الأخيرة تتبنى مفهوماً جديداً أكثر شمولاً وهو السعادة القومية الإجمالية (Gross National Happiness-GNH). هذه المؤشرات لا تقيس فقط النشاط الاقتصادي، بل تشمل أيضاً الصحة، التعليم، البيئة، والرفاهية النفسية. الدول التي تتبنى هذا المقياس، مثل بوتان، تعيد صياغة السياسات لتكون أكثر تركيزاً على رفاهية المواطنين بدلاً من التركيز فقط على النمو الاقتصادي.

السياسات الحكومية لتحقيق السعادة


في ظل هذا التحول، أصبحت إدارة الموارد الحكومية تستهدف تحقيق السعادة الشاملة للمواطنين. يمكن أن تشمل هذه السياسات توفير الرعاية الصحية الجيدة، التعليم عالي الجودة، بيئة نظيفة، وتوفير فرص عمل لائقة. الفكرة هنا هي أن تحقيق السعادة ليس مجرد شعور فردي، بل هو هدف يمكن تحقيقه من خلال سياسات حكومية مدروسة. نرى الكثير من الدول تعين وزيراً خاصاً للسعادة، والأسواق تتبنى بخدماتها ومنتجاتها تعزيز السعادة وتحسين جودة الحياة.


لن أناقش هنا فاعلية ومصداقية هذه التوجهات ودقة مؤشرات القياس التي قد تأتي تارة متحيزة وتارة غير شاملة. لكني أعود معك إلى هذا “أبيقور” الذي عرف السعادة بأنها الصالح الأعلى. هو نفسه الذي ذهب إلى ضرورة الحد من السعي الأعمى نحو تحقيق السعادة لأنه يجعلنا بؤساء. لا دليل على ذلك خير من نسب الانتحار التي تتجاوز الـ15 من كل مائة فرد سنوياً في الدول الغنية، في حين تسجل الدول الفقيرة معدلات أدنى بكثير يصل أقصاها إلى مائة ألف شخص سنوياً. أظنك الآن عرفت إلى أي حد تعمل حكومتك لتبقيك على قيد الحياة.

🔶شاهد أيضاً: النجاح في ادارة اكثر من ٧٠٠٠ موظف وتحقيق الريادة في ال Fintech – حازم مغازي CEO AMAN

Facebook
Twitter
LinkedIn

اكتشف المزيد

سنساعدك على إخراج القائد الذي بداخلك

استعد لبناء مهاراتك القيادية الضرورية لنجاحك الشخصي ونجاح شركتك. سنعلمك كيف تخرج أحسن ما عندك وأحسن ما عند موظفيك.

اشترك في نشرتنا البريدية

تعرف على الخبراء

أحمد رشاد

خبير الاستراتيجية وإدارة التغيير، واستشاري تطوير الأعمال، وكوتش للمديرين والتنفيذيين، قاد العديد من الشركات والمؤسسات لنجاحها من خلال خبراته العريضة في قطاعات الشركات متعددة الجنسيات، والشركات العائلية، وغيرها بالولايات المتحدة الأمريكية ومصر

حول بزنس بالعربي

أنت CEO حياتك

بودكاست عربي خاص بالتطوير الذاتي والبزنس، يعرض لما تحتاجه لكي تقود حياة مهنية وشخصية ناجحة، وكيفية الوصول إلى تفكير متوازن، وتصميم لايف ستايل خاص بك، والمهارات الضرورية للبزنس، وتطوير ذاتك، والقيادة الذاتية، وإدارة الوقت، وعادات الصحة والحيوية

بيزنس بالعربي - كن CEO حياتك | © 2023 Business بالعربي | تصميم وتطوير كوادر تك

رحب معانا بتطبيق بزنس بالعربي الجديد

استمتع بتجربة مختلفة بتصفح مقالات بزنس بالعربي المقروءة والمسموعة ومتابعة البودكاست واكثر ...

نزل التطبيق الآن