يهدف مؤسسو الشركات العائلية إلى بناء كيان يتوارثه الأبناء والأحفاد جيلا بعد جيل ليحافظوا على أصول الشركة واسم العائلة، لذلك من المهم بناء جسر قوي للجيل القادم اعتمادا على خطة محكمة، خصوصا أن الاحصائيات تشير إلى أن أقل من 30٪ من الشركات العائلية تستمر إلى الجيل الثالث، و15 ٪ فقط منها تنجح في الاستمرارية لما بعد هذا الجيل، ويعود ذلك للتعقيد الذي تتسم به العلاقات الأسرية والذي يصبح في الكثير من الأحيان عائقا أمام استدامة الشركة على المدى الطويل.
بودكاست ذا صلة : مشاكل وتحديات البزنس العائلي وكيف تتخطى تلك التحديات
أسباب فشل استمرار الشركات العائلية
الهدف الرئيسي لأي شركة عائلية عند القيام بالتخطيط للتعاقب هو ضمان الانتقال السلس للثروة والكيان التجاري من جيل لآخر، مع الحفاظ على الانسجام الأسري وتحقيق الإدارة المثلى للشركة، ومع ذلك تفشل الكثير من الكيانات التجارية والاستثمارية العائلية في التخطيط لهذا التعاقب لاعتمادها على نهج تقليدي غير مدروس، عوض العمل على إنجاز هذه المهمة بشكل مستمر على المدى الطويل، حيث أن succession plan أو الإحلال الوظيفي عملية طويلة الأم ومتعددة الجوانب تبدأ بالعنصر البشري في الأسرة، ومن بين أهم أسباب فشل استمرارية الشركات العائلية عبر الأجيال، إضافة إلى المشاكل التي تطرقنا إليها سابقا وقدمنا حلول لها، مايلي:
- عدم استيعاب الأجيال الجديدة لرسالة الشركة ورؤيتها.
- انهيار الثقة والتواصل داخل الأسرة.
- عدم إعداد الجيل الجديد لتولي المسؤوليات الإدارية في الشركة.
- الإهمال المهني من الجيل الجديد.
التخطيط للتعاقب و الحفاظ على استمرارية الشركات العائلية عبر الأجيال
تعتبر الشركات العائلية فريدة من نوعها باعتبار طبيعتها التي تفرض أن استمراريتها مرتبطة بالتخطيط لإعداد الخلفاء للقيام بالأدوار الإدارية الاستراتيجية واتخاذ القرارات الحاسمة، لذلك يجب أن تمثل عملية التخطيط للتعاقب أولوية لدى المؤسسين وأن يتم تنسيقها لعدة سنوات عبر الأجيال، ويمكن تحقيق ذلك من خلال الإجابة على الأسئلة التالية والتي تمثل جوهر توريث الشركة للأجيال الجديدة:
- تحديد رسالة الشركة ورؤيتها: كيف يرى المؤسسون الشركة في المستقبل وما هي أهدافها على المدى البعيد؟ ، وفي هذه النقطة لا تختلف الشركات العائلية عن غيرها، فالهدف الرئيسي لأي عمل هو الاستمرارية عبر السنين وتحقيق الربح، ومع ذلك يهتم مؤسسو هذا النوع من الشركات في الحفاظ على اسم العائلة المرتبط بالعلامة التجارية و القيمة المضافة للكيان الذي بنوه وتوريثه لعدة أجيال، حيث لا تمثل الثروة مجرد أصول مالية، ولكن لها مفهوم أعمق يشمل الموارد غير الملموسة والمتمثلة في رأس المال البشري الذي يشكله انخراط الأجيال الجديدة في أعمال الأسرة وتوارثها.
- متطلبات إدارة الشركة: ما الذي تتطلبه الشركة من المدراء المستقبلين؟ ، حيث تحدد هذه النقطة المهارات والخبرات التي يجب أن يكتسبها الجيل الجديد لإدارة الشركة وتطويرها والعمل على تنميتها والحفاظ على كيانها، إذ لا يكفي نقل الملكية أو توريثها للجيل الجديد، بل يجب أن تتوفر فيه المؤهلات التي تمكنه من السيطرة على الشركة واتخاذ القرارات المناسبة.
- مدى رغبة الجيل الجديد في إدارة الشركة: هل يبدي الأبناء الرغبة في الانخراط في أعمال الشركة؟، إذ يمكن أن يكون للأبناء ميول أخرى بعيدة عن مجال نشاط الشركة.
- سياسة الشركة: ما هي التغيرات المطلوبة في هيكل الشركة وسياستها وحوكمتها ” structure, policies and governance” ، حيث يعد الافتقار لهذه العناصر الثلاثة سببًا رئيسيًا لمشاكل الاستمرارية ، وبالتالي فهو أول خطوة حاسمة في بدء عملية التخطيط المستمر للتعاقب.
كما أنه من أهم الأمور التي يجب التخطيط والعمل عليها هي إنشاء نظام لسير العمل لا يعتمد على وجود المؤسس ومتابعته لكل صغيرة وكبيرة، بل يضمن استمرارية العمل على أكمل وجه في غيابه، وذلك من خلال تحديد سياسة للشركة ومختلف الإجراءات اللازمة لتنظيم كافة نشاطات الشركة والاستعانة في هذا بالوسائل التقنية والتكنولوجيا الحديثة إضافة إلى الكفاءة البشرية.
كيف يمكن أن يوازن أصحاب الشركات العائلية بين مسؤولياتهم الإدارية وحياتهم الشخصية
نوهنا سابقا إلى أن أحد المشاكل التي تواجهها الشركات العائلية هو امتناع الأبناء عن القيادة لدوافع شخصية من بينها اعتقادهم أن أعمال الشركة ومسؤولياتها كانت سبب في حرمانهم من قضاء وقت كاف مع الأب quality time، لذلك من المهم تحقيق التوازن بين المسؤوليات المهنية والإدارية والحياة الشخصية، ويمكن تحقيق ذلك أولا بإدراك أهمية هذا الأمر وأثره على الصحة وعلى العلاقة الأسرية والإطلاع على نماذج لأصحاب شركات ناجحة حققوا نجاح وهمي على انقاض حياتهم الشخصية، وعلى الرغم من أنه لا يمكن إنكار أن تكوين ثروة شيء رائع ولكنه يبقى أمرا فرعيا ومجرد وسيلة للاستمتاع بالحياة الأسرية والقيام بواجبات الأب مع الأبناء على ينشأوا بشكل صحيح، وكذلك من المهم اشراك الأبناء والتواصل معهم حتى يدركوا أن للأب مسؤوليات أخرى تصب في صالحهم دون إهمال قضاء وقت وأجازات سنوية أو نصف سنوية وكلما سمحت الفرصة بذلك على قدر الإمكان على أن يكون الوقت المخصص للعائلة والمقربين بعيد عن أي انشغالات وأعمال.
كما أنه من المهم ممارسة الرياضة، لأن العقل السليم في الجسم السليم، إضافة إلى كونها تعمل على امتصاص التوتر وتعزيز الطاقة الإيجابية.
قد تبدو احتمالية إجراء تعاقب في إدارة الشركة ونقلها للجيل القادم مربكة وعلى قدر من التعقيد، لذلك من المهم أن يبدأ التخطيط الناجح للاستمرارية مبكرًا لتزويد قادة المستقبل بالوقت والموارد الكافية للاستعداد لقيادة أعمال العائلة، كما أن التخطيط على المدى الطويل يقلل الصراع حول صنع القرار ويعطي ثقة في الإدارة كما أنه يحافظ على العلاقات الأسرية التي تشكل عصب الشركات العائلية.
أقرأ أيضا: أهم 9 مشاكل تواجه الشركات العائلية