تمثل الشركات العائلية (Family Business) ما يصل إلى 75% من الشركات الموجودة حول العالم. وقد شهد العالم العديد من الشركات من هذا النوع التي تطورت وازدهرت عبر الأجيال. ومع ذلك، نجد أن نسبة كبيرة منها لا يتعدى عمرها الجيل الثاني أو الثالث، ويعود ذلك إلى التحديات التي تواجهها هذه الشركات عند نقل إرثها إلى الأجيال القادمة.
تنشأ هذه التحديات نتيجة التغيرات الاقتصادية المتسارعة والتطورات التكنولوجية التي تفرض تبني أساليب إدارية جديدة ورؤى واقعية تتماشى مع طبيعة العصر. فالتطور التكنولوجي الذي يشهده عالم الأعمال يوميًا يوفر فرصًا كبيرة لتعزيز نمو الشركات، لكنه أيضًا يتطلب مرونة واستجابة للتغيرات.
تتميز الشركات العائلية بطابع خاص، حيث يجمعها عادةً ارتباط بين الملكية والإدارة بأفراد من العائلة الواحدة. ورغم ما يحمله هذا الأمر من إيجابيات، إلا أنه يُثير العديد من المشكلات الناتجة عن اصطدام أفكار الجيل القديم والجديد. استمرارية هذه الشركات تعتمد بشكل كبير على قدرتها على التوفيق بين الأسلوب الإداري التقليدي للجيل الأكبر واستراتيجيات الجيل الجديد التي تسعى لمواكبة العصر.
بودكاست ذو صلة: مشاكل وتحديات البزنس العائلي وكيف تتخطى تلك التحديات
أهم المشاكل التي تواجه الشركات العائلية وحلولها
تواجه الشركات العائلية اليوم العديد من التحديات التي قد تهدد استمراريتها وتؤثر بشكل كبير على أدائها، وبالتالي على الأرباح التي تحققها. وتظهر هذه المشاكل بشكل خاص عند تولي الجيل الجديد الإدارة أو دمجه ضمن أصحاب القرار في الشركة. في هذه الحالات، يحدث تصادم بين رؤية الجيل الجديد لأساليب الإدارة الحديثة التي تتماشى مع طبيعة التغيرات الاقتصادية والتطورات التكنولوجية، وبين النظام التقليدي الذي يعتمده الجيل القديم في تسيير الشركة. من أبرز هذه المشاكل والتحديات:
1. سيطرة الجيل القديم على القرارات في الشركة
يعتمد مبدأ الشركات العائلية على توريث الأعمال للأجيال القادمة. وعلى الرغم من سعي المؤسسين لتأهيل الورثة للإدارة، إلا أن الكثير منهم يحددون صلاحيات الجيل الجديد، وينظرون لهم على أنهم متهورون ويفتقرون للخبرة. كما أنهم يجدون صعوبة في الفصل بين كونهم أبناء وبين كونهم مديرين.
ومع ذلك، تظهر خبرة الجيل القديم في الأمور التقنية المتعلقة بالنشاط أكثر من أسلوب الإدارة. يمكن حل هذه المشكلة من خلال إقناع المؤسسين بضرورة اعتماد أساليب إدارية حديثة عبر عرض المؤشرات المالية والنتائج الناجحة لنماذج مشابهة. كما يجب أن يلمس الجيل القديم نتائج ملموسة داخل الشركة لتشجيعهم على منح الجيل الجديد مساحة أكبر لاتخاذ القرارات الإدارية.
2. مشكلة الحرس القديم (Old Guards)
الحرس القديم هم الملاك، المدراء، أو الموظفون الذين شهدوا تأسيس الشركة وساهموا في بنائها واستمروا بالعمل لفترات طويلة. يتميزون بولائهم الشديد للشركة وخبرتهم الكبيرة في مجال نشاطها، إلا أنهم يمثلون أحد أسباب فشل الأنظمة الإدارية بسبب تشبثهم بالروتين وعدم مواكبتهم للتغيرات الاقتصادية والتكنولوجية.
لحل هذه المشكلة، يجب إشراك الحرس القديم في الخطط الإدارية الجديدة والاستفادة من خبراتهم. كما يجب تحديد القادة القادرين على التغيير من بينهم، والاستغناء عن أولئك الذين يرفضون التطوير على المدى البعيد.
3. تعيين موظفين جدد بنظام مرتبات جديد
غالبًا ما يسعى الجيل الجديد إلى تعيين كفاءات جديدة من شركات متعددة الجنسيات، لكنهم قد يتجاهلون العبء المالي للرواتب المرتفعة أو تضارب الثقافات المهنية بين الكفاءات الجديدة والحرس القديم.
الحل يكمن في تأسيس نظام إداري فعّال يستوعب هذه الكفاءات ويوفر لهم بيئة عمل مشجعة للإنتاجية.
4. لن أعيش في جلباب أبي
قد يرفض الجيل الجديد الانخراط في أعمال العائلة بسبب اختلاف الميول أو بسبب ذكرياتهم السلبية عن انشغال الأهل بالعمل. الحل يكمن في إنشاء نظام يعتمد على فصل الملكية عن الإدارة، لضمان استمرارية الشركة بغض النظر عن مشاركة الأبناء.
5. الأمان الوظيفي
يمتلك العديد من الموظفين في الشركات العائلية درجة كبيرة من الأمان الوظيفي، مما قد يؤثر سلبًا على الإنتاجية. الحل يتمثل في تقييم أداء الموظفين، تحديد أهداف واضحة لهم، والعمل على تطوير مهاراتهم.
6. عدم تركيز الملاك على الأهداف الاستراتيجية
يركز ملاك الشركات العائلية أحيانًا على الأعمال الإدارية اليومية بدلاً من التركيز على التخطيط الاستراتيجي. الحل يكمن في تعيين مديرين متوسطين (Middle Managers) وتفويض المهام الإدارية لهم، مع اقتصار دور المالكين على تحديد الأهداف الكبرى مثل فتح فروع جديدة أو تطوير خطوط الإنتاج.
7. انت مثلي إذن أنت موجود
غالبًا ما تقتصر التعيينات في الشركات العائلية على أفراد يشتركون في خلفية اجتماعية أو ثقافية واحدة، مما يحد من التنوع والإبداع. الحل يتمثل في دعم الموظفين الجدد من خلفيات مختلفة ودمجهم في ثقافة الشركة.
8. افتقار الشركات لسياسة إدارية واضحة (No Policy)
عدم وجود سياسات مكتوبة يؤدي إلى فوضى في الإدارة وزيادة نسب الغياب. الحل هو وضع سياسات واضحة لنظام العطل، الأجور، والإجراءات الإدارية، مع تطبيقها بصرامة.
9. مشكلة الشراكة
بعد وفاة الشريك المؤسس، قد ينشأ نزاع بين ورثته حول الإدارة. الحل يكمن في وضع خطة إحلال وظيفي (Succession Planning) تضمن توزيع الأدوار بناءً على الكفاءة والخبرة.
نحو استدامة الشركات العائلية
يعتمد تطوير الشركات العائلية على التخطيط طويل الأمد، وتوظيف مهارات ومعارف الجيل الجديد بشكل تدريجي. فهم كيان الشركة وثقافتها السائدة بعمق هو المفتاح لتجاوز التحديات وتحقيق استمراريتها عبر الأجيال.
اقرأ أيضًا: الحفاظ على استمرارية الشركات العائلية عبر الأجيال