الشعور بالهدوء الداخلي في بيئة العمل لا يندرج ضمن الرفاهيات ولكنه شعور يحتاج إليه الإنسان في تكوينه النفسي، ومع سرعة الحياة في عصرنا الحالي أصبح الهدوء تحدٍ صعب وسط هذا الكم الكبير من المشتتات والمهام الكثيرة والضوضاء والازدحام، التعرض لكل هذه العناصر بشكل يومي يؤدي إلى زيادة شعورك بالتوتر حتى وإن كان بغير وعي منك. قد يعتقد البعض أن البقاء منشغلًا طوال اليوم يُنسيك همومك، ولكن على العكس فإن العقل يقوم بتخزين تلك المشاعر ومع الوقت ستشعر أن مستوى التوتر والعصبية زاد، وبالتأكيد حالتك النفسية والعقلية يؤثران بشكل كبير على مستوى إنتاجيتك في العمل وعلاقتك بزملاء داخل بيئة العمل.
وفي هذا المقال سنتكلم عن تقنيات لتعزيز الهدوء الداخلي لديك أثناء العمل وما هي الفوائد المترتبة على ذلك.
استراتيجيات لتحقيق الهدوء داخل بيئة العمل
الموظف الذي يتمتع بالهدوء يكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات والتواصل الجيد مع زملائه وإنتاجية أفضل من الموظف المتوتر القلق، وفيما يلي بعض الاستراتيجيات الفعالة لإيجاد الهدوء أثناء العمل:
إدارة الوقت وترتيب المهام
من تقنيات تنظيم الوقت الفعالة هي تقسيم مهام العمل الكبيرة والتي تحتاج إلى وقت طويل إلى أجزاء أصغر وتخصيص وقت لكل مهمة منهم، بهذه الطريقة ستشعر بالإنجاز بشكل أكبر وخفض شعور القلق لديك بأن المهمة كبيرة، كذلك قم بتدوين مهام اليوم حسب الأولوية في قائمة المهام اليومية حتى تتجنب التشتت وهدر الوقت وبالتالي زيادة معدلات القلق والتوتر.
تنظيم مكان العمل
من العناصر التي تعزز من شعور الهدوء هو تنظيم مساحة العمل، والإضاءة الجيدة داخل المكان ويفضل الاعتماد على أشعة الشمس في الإنارة، أيضًا التهوية الجيدة التي تسمح بتجدد الهواء داخل الغرفة، والديكورات الهادئة والابتعاد عن الفوضى والحفاظ على الترتيب والتنظيم.
التواصل الفعال
التواصل الجيد يجعلك أكثر قدرة على فهم متطلبات المهام الموكلة إليك، وتدعم الروابط الاجتماعية بين زملائك، ويعزز من ثقافة الحوار والنقاش المفتوح، ويساهم في تحسين جلسات العصف الذهني.
الاستراحات المنتظمة
العمل لفترات طويلة يسبب الضيق والإرهاق الذهني وانخفاض مستوى التركيز، ولكن الأفضل هو قضاء استراحة قصيرة مقابل مدة عمل متوسطة، وبعد الانتهاء من مهمة كبيرة أو عدد محدد من المهم اتخذ استراحة أطول نسبيًا، فالاستراحة تكسر الشعور بالملل والتوتر، وتجدد من نشاطك الذهني وتساعدك على التركيز في المهمة القادمة.
ممارسة الرياضة
ممارسة التمارين الرياضية بشكل عام له تأثير جيد على الصحة البدنية والنفسية للإنسان، أما بالنسبة للعمل فالجلوس لفترات طويلة على كرسي المكتب وفي نفس المكان يجعلك تشعر بالتعب والضيق، وننصحك بالقيام ببعض التمارين البسيطة في فترات الاستراحة فهذا مفيد لصحتك البدينة ويدعم الشعور بالهدوء وتجديد الطاقة.
الاسترخاء
من التقنيات الفعالة في تعزيز الشعور بالهدوء هو تمارين الاسترخاء مثل اليوجا وتمارين التنفس العميق، فالاسترخاء يخفض من مستويات التوتر ويجعلك أكثر قدرة على التحكم في انفعالاتك.
التمتع بالمرونة
الصلابة في التمسك بجدول المهام وعدم تقبل حدوث أي شيء خارج التوقع، يجعلك تشعر بالتوتر والغضب عند عدم سير الأمور كما خطط إليها، ولكن تمتع بالمرونة وأعد جدولة المهام تبعًا للظرف المستحدث والذي أثر على طبيعة يومك.
الفصل بين العمل والحياة
ضع حدودًا فاصلة بين العمل والحياة، توقف عن العمل بعد انتهاء عدد الساعات المخصصة له، ولا تتفقد البريد الإلكتروني أو تتلقى اتصالات هاتفية خاصة بالعمل، فعملية التداخل بين العمل والحياة تزيد من مستويات التوتر والشعور بأنك في العمل طوال الوقت، والصحيح هو التمتع بحياتك بدون التفكير في العمل أو القيام بمهام وظيفية خارج الوقت المخصص له.
تعلم قول “لا”
لا تسمح لأحد أن يتعدى حدوده معك، مثل أخذ مهام إضافية في العمل دون ضرورة، أو تنمر زملائك عليك، أو استرسال أحد زملائك في الحديث وأنت تريد الإنتهاء من مهام عملك، وغيرها من المواقف التي تشعر بالحرج إذا أوقفت الشخص المزعج عند الحد المسموح له.
طلب المساعدة
التمسك بأنك ستقوم بكل المهام بنفسك في وقت قصير يُعلي من مستوى التوتر لديك، ولكن إذا أمكن أن تطلب المساعدة من أحد لديه القدرة على تنفيذ المهام معك، أو تفويض بعض المهام لشخص آخر يقوم بها بدلًا عنك.
البحث عن الحلول لا المبررات
عند مواجهة التحديات وجه تفكيرك وطاقتك في البحث عن حلول لتلك المشكلة، ولا تقف في مربع المدان الذي عليه أن يوجد مبررات لما حدث، أنت لست متهمًا جميع البشر لديهم نسبة من الخطأ، اهدئ وابحث عن حلول ولا تجعل التوتر يسيطر على طريقة تفكيرك.
التقييم وتحديد المعوقات
تابع تصرفاتك اليومية وحدد الأمور التي يصعب عليك التمسك بهدوئك ويظهر عليك علامات التوتر والقلق، ومعرفة مسببات التوتر، وبناءً على ذلك اتبع استراتيجيات تساعدك في تخفيف التوتر في تلك المواقف والتعامل معها بهدوء.
التركيز في مهمة واحدة
لا تبدأ في أكثر من مهمة في وقت واحد وتنشغل بتنفيذ جميع المهام في الوقت نفسه، ولكن قم بالتركيز على مهمة واحدة فقط ثم انتقل للتي تليها وهكذا حتى تنتهي من جميع المهام، فالتشتيت العقلي يتسبب في زيادة مستوى التوتر، على عكس العمل على مهمة واحدة الذي يمنحك شعورًا بالهدوء والتركيز.
الابتعاد عن العادات الضارة
ارتباط التوتر بالتدخين أو الشراهة في الأكل يبني لديك عادات سيئة، ولكن استبدل ذلك بطرق أكثر صحة للتنفيس عن التوتر مثل المشي لعدة دقائق أو تمارين التنفس أو تناول الفواكه لتحسين حالتك المزاجية وتعزيز الشعور بالهدوء.
فوائد الهدوء داخل العمل
ينعكس الشعور بالهدوء على العمل والعلاقات الاجتماعية وفيما يلي أبرز فوائد الشعور بالهدوء داخل بيئة العمل:
- تحسين الإنتاجية: حيث تكون أكثر قدرة على التركيز وتقديم حلول واقتراحات مبتكرة.
- تحسين الصحة النفسية والبدنية: الشخص الهادئ يكون أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب وأمراض القلب ويتمتع بنظام نوم جيد.
- دعم العلاقات المهنية: فالهدوء يجعلك مستمع جيد لزملائك في العمل ولديك استعداد للنقاش والتفاهم في وقت الخلافات.
- تعزيز الإبداع: التوتر يمثل عائقًا للصفاء الذهني الذي يحتاج إليه الإنسان للتفكير خارج الصندوق.
- الشعور بالرضا: الهادئ يعرف خطواته جيدًا، ويتمكن من العمل بهدوء ويحقق إنجازات ملموسة.
- اتخاذ قرارات واعية: حيث يكون لديك القدرة على التفكير بمنطقية والابتعاد عن القرارات المندفعة بناء على الانفعالات وعدم التحكم في القلق أو الغضب.
في النهاية إن الهدوء ينعكس على أداء المؤسسة بشكل عام، وبناء بيئة عمل تحقق الهدوء لدى العاملين من أنجح بيئات العمل، حيث يكون للموظف القدرة على التفكير الإبداعي وتقديم حلول مبتكرة، والعمل ضمن فريق بشكل متناغم مما ينعكس على جودة العمل ورفع الكفاءة التشغيلية، وعلى الشركات تطبيق التقنيات والاستراتيجيات التي ذكرناها ودمجها في سياستها الإدارية، خاصةً وأن عصرنا الحالي يتسم بالسرعة وكثرة الخيارات المتاحة مما يزيد من معدلات التوتر.
كما يمكنك تطبيق تلك التقنيات خارج بيئة العمل وسوف تساعدك بشكل كبير على الشعور بالهدوء، وتذكر أن تلك التقنيات أسلوب حياة وليس الهدف هو الشعور بالهدوء لبعض الوقت وينتهي الأمر ولكن اجعله نهجًا تتبعه في حياتك.
🔸شاهد أيضاً: كيف تحول افكارك وشغفك الى مشروع مربح – محمد تهامي الرئيس التنفيذي لـ Passion Point – EP #116