“الرسم بالصوت”
لا تتعجب من هذا الوصف! ففي هذا العصر، أصبح بإمكان كل شخص أن يرسم بصوته موجاتٍ جميلةً عابرةً للقارات، بل والعالم أيضًا، ومشاركة آرائه وخبراته مع الناس، سواء بمفرده أو بصحبة العديد من الضيوف المتخصصين والرائعين، وكل ذلك من غرفة صغيرة ومحدودة.
في هذا المقال من بزنس بالعربي، نشارككم أحد أكثر أشكال المحتوى نموًا في العالم العربي بشكلٍ سريع. دعونا نتحدث قليلًا عن فن الرسم بالصوت أو فن صناعة البودكاست.
أصبح المحتوى الصوتي عنصرًا أساسيًا ضمن تشكيلة عناصر التسويق التي لا يمكن تجاهلها، وذلك بسبب سهولة إنتاجه مع انخفاض تكاليف الصناعة والإنتاج والتوزيع أيضًا، فضلًا عن المزايا التي يقدمها للمستهلك. فلا يحتاج مستهلك المحتوى الصوتي إلى التفاعل البصري من أجل متابعة المحتوى مثل مقاطع الفيديو وغيرها من الأشكال المرئية والمكتوبة؛ كل ما يحتاجه هو حاسة السمع فقط مع القليل من التركيز للاستمتاع بواحدةٍ من أكثر أشكال المحتوى متعةً في استهلاكها وصناعتها.
مؤخرًا، انتشر مصطلح “البودكاست” أو “البودكاستر” كثيرًا في المنطقة العربية. وأصبحنا نرى العديد من البرامج التي تحمل اسم بودكاست، أو عبارات مثل “تابعونا على المنصات”، وغيرها من جُمل جذب الانتباه. قد تعتقد أن الـ Podcast مجرد برنامجٍ صوتي فقط أو مجرد محتوى عادي، لكن الحقيقة عكس ذلك تمامًا. ولكي أخبرك بكل شيء عن البودكاست، دعني أحكي لك تاريخ هذا المصطلح.
اقرأ أيضاً : 9 خطوات للتخلص من عادة التسويف
ما هو البودكاست؟
التدوين الصوتي مصطلحٌ قديم وموجودٌ منذ الثمانينيات، أي أنه يسبق عصر الإنترنت وليس وليدًا بظهوره. ولكن، لسوء الحظ، لم يستمر ظهور التدوين الصوتي في تلك الفترة كثيرًا بسبب الافتقار إلى وسائل توزيع هذه التسجيلات، مما أدى إلى توقفٍ دام 20 عامًا أو أكثر.
نشأ مصطلح “المدونات الصوتية”، الذي يُعرف إنجليزيًّا بـ “Podcasts”، على يد كلٍ من Dave Weiner وAdam Curry، عندما قاما بابتكار تطبيقٍ خاص يُسمى iPodder لجهاز شركة Apple الشهير iPod، أول مشغلٍ موسيقى محمول، في عام 2001. الهدف من التطبيق كان تحميل البث الإذاعي (radio broadcast) على أجهزة iPod في عام 2004. من هنا أتت تسمية البودكاست؛ حيث إن هذا المصطلح ناتج عن أخذ حروف الـ “Pod” من كلمة iPod، وحروف الـ “Cast” من كلمة broadcast، لتُولد في النهاية كلمة التدوين الصوتي أو الـ “Podcasts”.
تعاون مطور البرامج ديف وينر ومقدم برامج إذاعية في قناة MTV، آدم كاري، ساعد العديد من الناس، ومستخدمي أجهزة iPod بالتحديد، في تحميل مدوناتهم أو الحلقات الإذاعية على أجهزتهم. وفي أواخر عام 2004، ظهر أول مستضيف لخدمة بودكاست وهو Libsyn، مما أتاح للجميع أن يكونوا المذيعين، وليس فقط المستمعين.
بعد انتشار فكرة البودكاست أو المحتوى الصوتي خلال هذه الفترة، كتب الصحفي Ben Hammersley مقالةً في 12 فبراير 2004 قال فيها:
“But what to call it? Audioblogging? Podcasting? Guerilla Media?”
وهذا كان نتيجة أن جميع الأشخاص حينها كانوا قادرين على إنشاء مدونةٍ صوتية خاصة بهم، وهو ما كان يُعرف أيضًا باسم “راديو الإنترنت”.
شارك الرأي أيضًا صحفيٌ سابق في جريدة New York Times يُدعى Christopher Lydon. بعد تجربته في مجال راديو الإنترنت أو البودكاست، قال حينها:
“إنها تجربة حقًا. كل شيءٍ رخيص، الأدوات متوفرة، أماكن التسجيل والاستضافات متاحة. يمكن للجميع وأي شخص أن يكون ناشرًا، ويمكن لأي شخص أن يكون مذيعًا.”
مع حلول عام 2005، أطلقت شركة Apple وأضافت رسميًّا البث الصوتي إلى تطبيق iTunes الشهير ضمن مكتبة الموسيقى الخاصة بها، وعملت أيضًا على دعمه في أجهزة iPhone. ظهر Steve Jobs حينها ليبرهن للناس أنه بإمكان أي شخصٍ أن يصنع محتوى البودكاست باستخدام أجهزة Mac ومشاركته مع العالم.
شاهد الفيديو: Steve Jobs previews podcasting All Things D3 2005
بسبب تعاون ديف وآدم، أصبحت المدونات الصوتية اليوم الشكل الجديد للهروب من الواقع. بدأ الـ Podcast يكتسب زخمًا بعد فترة وجيزة من برهان ستيف جوبز لهذا المحتوى الجديد. إضافةً إلى ذلك، في العام ذاته، أصبح “جورج دبليو بوش” أول رئيس أمريكي يُلقي خطابًا أسبوعيًّا على شكل بودكاست، حيث تم بعدها اعتماد كلمة “بودكاست” رسميًّا في قاموس نيو أكسفورد الأمريكي، مما عزّز مكانة الـ Podcast باعتباره الاتجاه الإعلامي الناشئ الذي كان بالفعل أو على وشك أن يكون على ألسنة الجميع وطرف أصابعهم.
تقنيًّا
هو “التدوين الصوتي” أو “البث الصوتي” أو “البث الجيبي” أو “راديو الإنترنت”، سمه كما أردت. هو عبارة عن ملف صوتي نواته الأساسية هي RSS التي تعمل على نشر المحتوى المتجدد على الويب أو تطبيقات التشغيل بمختلف أنظمة التشغيل، والتي يتم تحميلها على أي جهاز رقمي لتمكين المستخدمين من الاستماع إلى المحتوى الصوتي دون الحاجة لزيارة أكثر من موقع.
موجز RSS الخاص بالبودكاست هو ما يدعم الملف الصوتي؛ فهو يحتوي بشكل أساسي على كافة المعلومات التي يتكون منها المحتوى الصوتي، وهذا ما يسمح بمشاركته مع العالم عبر أكثر من منصةٍ صوتية.
ما الفرق بين الراديو التقليدي والبودكاست؟
حتى الآن لم نتحدث عن أرقام البودكاست الحالية، لكن عدد الأشخاص الذين يتابعون الراديو لا يزال يفوق عدد مستمعي المنصات الصوتية بفارقٍ بسيط. ومع ذلك، علينا الإجابة عن السؤال الأشهر: ما الفرق بين الاثنين؟ حيث يعتقد البعض أنه لا فرق بينهما، لكن هناك بعض الاختلافات المهمة بين الأخوين.
الراديو الإذاعي
البرامج الإذاعية يتم الاستماع إليها عن طريق الراديو، وهو الجهاز المستضيف لعرض هذه البرامج باستخدام تقنية موجات الـ FM أو الـ AM، مما يسمح للمستخدم بالاستماع إلى أغلب البرامج المباشرة التي تقدمها محطات إذاعة الـ FM عبر لاقط الإشارة في جهاز الراديو. تطور الأمر مستقبلاً ليصبح متاحًا في جميع الهواتف القديمة وأيضًا الذكية، وذلك عن طريق استخدام سماعة الرأس السلكية كهوائي لالتقاط إشارة الإذاعة.
يركز محتوى الراديو بشكلٍ كبير على الأحداث الحصرية مع استهدافٍ معين للجمهور والمنطقة الجغرافية وفي أوقاتٍ محددة. بعد انتهاء بث الحلقة الإذاعية، يصعب جدًا العودة إليها إلا إذا كانت مسجلةً من قبل المحطة الإذاعية لنشرها لاحقًا على منصات التواصل الاجتماعي.
طرق التفاعل مع مذيع الراديو تكون من خلال الرسائل النصية أو الاتصال عبر الهواء مباشرةً. وأصبحت بعض البرامج حاليًا تستقبل الرسائل عبر منصات التواصل الخاصة بها أثناء الحلقة.
البودكاست
برامج البودكاست تكون مسجلةً مسبقًا لعرضها أو بثها في أي وقت، ويمكن الاستماع إليها لاحقًا لأنها تتمتع بميزة التحميل على جهاز المستخدم.
يركز المحتوى الصوتي على المواضيع الجذابة والمهمة، إضافةً إلى أن جمهور البودكاست مفتوح؛ فهناك عدد قليل من البودكاستر (صناع المحتوى الصوتي) من يحددون فئة معينة من الجمهور للاستماع لما يقدمونه من محتوى.
التفاعل مع محتوى البودكاست مختلف قليلاً كونه مسجلًا سابقًا. يتم التفاعل مع الجماهير عن طريق استطلاعات الرأي أو طلب البودكاستر مشاركة الجمهور إجابة سؤالٍ ما عن طريق مراسلته على حسابه الرسمي أو في التعليقات.
لماذا محتوى البودكاست مهم تسويقيًّا؟
للصوت قدرةٌ فريدة في التعبير عن العواطف والمشاعر، وأيضًا إبراز التجارب من خلال الحلقات الصوتية. لذلك، يعد البث الصوتي من أعظم قنوات تسويق المحتوى. فمن خلال البث الصوتي يمكن تطوير علاقة عميقة مع الجمهور. دعني أخبرك عن خمس أسبابٍ مهمة تجعل البودكاست مهمًا تسويقيًّا:
أولاً: سهولة صناعة أو إنشاء محتوى البودكاست
أساس هذا المحتوى هو الصوت فقط. ربما يكون هناك بعض البرامج أو المنصات التي تمتلك بودكاست مرئي، لكن الأصل فيه هو الصوت فقط. لذلك، إنشاء البودكاست غير مكلف ماديًّا وسريع الإنتاج.
ثانيًا: الحرية المكانية والزمانية
لا يحتاج محتوى البودكاست إلى الوجود في مكانٍ معين من أجل الاستماع أو حتى إلى ساعةٍ معينة وإلا سيفوت على المستمع محتوى اليوم. لذلك، يعد محتوى البودكاست مفتوحًا منذ لحظة نشره لجميع المستمعين الحاليين أو حتى المحتملين.
ثالثًا: اتساع رقعة الاستماع
مؤخرًا، ظهرت العديد من منصات نشر البودكاست وأيضًا الاستضافات المجانية والمدفوعة التي تتيح انتشار محتوى البودكاست بالعديد من الخدمات والمزايا للمستمعين مثل Spotify، وBlubrry، وGoogle Podcast، وApple Podcast، وغيرهم الكثير. هذا التنوع في المنصات ساعد في نمو العديد من برامج البودكاست بسبب اتساع رقعة الانتشار.
رابعًا: المدة الزمنية للاستماع
يختلف محتوى البودكاست قليلاً عن المحتويات الأخرى؛ فعادة ما تكون أنسب مدةٍ زمنية لحلقة البودكاست حوالي 15-20 دقيقة، وهذا زمن مثالي جدًا لمحتوى صوتي في بداياته. لكن يعتمد طول البودكاست أيضًا على موضوعك أو صناعتك أو نوعه، مما يجعل الجمهور راغبًا في المزيد من التفاصيل والمعلومات، حيث تصل مدة الحلقة إلى 45-90 دقيقة.
خامسًا: اكتساب عملاء ومستثمرين
لن نطرح مثالًا بعيدًا، لكن أحد أسباب استمرار وازدهار بودكاست “بزنس بالعربي” هم الضيوف الذين كانوا في الأصل عملاءً لدينا. هؤلاء العملاء تحولوا لاحقًا إلى جزء من محتوى “بزنس بالعربي”، وكانوا سببًا في ثقة المستثمرين بنا. لذلك، اختيار الضيوف في البودكاست أمر مهم جدًا يعود بمنافع كثيرة على محتوى البودكاست الخاص بك.
سادسًا: تنوع الفئات من الجمهور
يعتبر محتوى الصوت أكثر نوعٍ لبى جميع الرغبات لدى الجمهور. وهنا يجب أن نسلط الضوء على أمرٍ مهم وهو: جمهور البودكاست أكثر وعيًا من غيرهم. لذلك، حسب الأرقام لعام 2019:
- تمثل الفئة العمرية (16: 24) عامًا 41% عربيًّا.
- تمثل الفئة العمرية (25: 34) عامًا 44% عربيًّا.
- تمثل الفئة العمرية (35: 44) عامًا 15% عربيًّا.
- تمثل الفئة العمرية (45: 64) عامًا 5% عربيًّا.
مصدر الإحصائية دليل ومجتمع البودكاست العربي.
شاهد أيضاً : قوة إدارة العمليات وكيفية الموازنة بين الوظيفة ومشروعك