في ستينيات القرن الماضي أجريت تجربة شهيرة على الأطفال تعرف باسم “تجربة المارشميلو” حيث وضع الأطفال أمام اختبار بسيط: تناول قطعة مارشميلو واحدة فورا أو الانتظار قليلا للحصول على قطع أكثر. هذه التجربة كانت تعكس مبدأ المثابرة والإصرار لتحقيق الأهداف المؤجلة.
في تجربة المارشميلو الشهيرة التي أجراها عالم النفس والتر ميشيل، تبين أن أولئك الذين استطاعوا تأجيل الإشباع اللحظي وأظهروا صبرا أكبر، حققوا نجاحات أكبر في حياتهم، سواء في الدراسة أو في العمل أو في الحياة الشخصية. كان هذا الجيل مؤمنا بفكرة “العمل الشاق يؤتي ثماره” وأدرك أن النجاح يتطلب جهدا مستمرا وإصرارا على تحقيق الأهداف طويلة الأجل.
تنعكس هذه التجربة بشكل ملحوظ على رواد أعمال وصانعي اقتصاد ذلك الزمان الذين اتسموا بالصبر والإصرار لتحقيق أهدافهم. يؤمنون بأن النجاح يتطلب وقتا وجهدا مستمرين، ويعتمدون على وضع استراتيجيات طويلة الأجل حيث التخطيط المستقبلي هو مفتاح النجاح، وربما التضحيات المؤقتة لتحقيق مكاسب أكبر في المستقبل.
الدوبامين والمكافآت الفورية
نعيش اليوم في زمن يمكن وصفه بزمن الدوبامين، حيث التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية ساهمت في تعزيز السعي القهري للمكافآت الفورية. إشعار جديد على الهاتف، إعجاب على صورة، مستوى جديد في لعبة وغيرها، كلها وسائل تفرز في الدماغ جرعات من الدوبامين – المادة الكيميائية العصبية المسؤولة عن الشعور بالسعادة المؤقتة. ولكن هل هذا حقا يؤدي إلى سعادة حقيقية ونجاح مستدام؟
الوفرة السلبية وتأثيرها
لقد خلق التقدم الصناعي والتكنولوجي وفرة غير مسبوقة من الخيارات، وأصبح بإمكاننا الحصول على أي شيء نريده بضغطة زر. هذا التعدد في الخيارات قد يبدو إيجابيا للوهلة الأولى، ولكنه أدى إلى ما يمكن تسميته بـ”الوفرة السلبية”. هذه الوفرة تجعل من السهل الانغماس في البحث المستمر عن المتعة والإشباع اللحظي، مما يضعف من قدرتنا على التركيز على الأهداف طويلة الأجل والمثابرة لتحقيقها.
تأثير الدوبامين على رواد الأعمال الجدد
نرى هذا أيضا واضحا في سلوكيات وتوجهات رواد أعمال اقتصاد العلامات “لايك، شير، هاهاها”، هؤلاء اللاهثون خلف المكافآت الفورية والراغبون في رؤية نتائج فورية لجهودهم والنجاح السريع وسحر السوشيال ميديا. فهم يميلون إلى السعي وراء النتائج القصيرة الأجل ويسعون لتحقيق نجاحات سريعة بدلا من بناء أسس قوية للنمو المستدام.
الاقتصاد السلوكي وجيل المارشميلو
وفقا للاقتصاد السلوكي، حيث تعتبر نظرية الاختيار العقلاني من الأسس التي تفسر سلوك الأفراد في الاقتصاد، يتخذ جيل المارشميلو قراراته بناء على موازنة المكاسب والتكاليف لتحقيق أقصى منفعة شخصية، مدركا أن المكاسب المستقبلية تفوق الإشباع اللحظي. في المقابل، يميل جيل الدوبامين إلى اتخاذ قرارات تستند إلى المكاسب الفورية دون التفكير في العواقب الطويلة الأجل.
🔸تحديات الشركات الناشئة | كيفية التغلب على أكبر 10 تحديات للشركات الناشئة في مجال ريادة الأعمال
الضغط النفسي والإجهاد بين رواد الأعمال الجدد
تشير الدراسات إلى أن رواد الأعمال الجدد يعانون من مستويات عالية من الضغط النفسي والإجهاد بسبب السعي المستمر وراء المكافآت الفورية وتحقيق النجاحات السريعة. بحسب جمعية علم النفس الأمريكية (APA)، يعاني 72% من رواد الأعمال من مشاكل نفسية مرتبطة بالتوتر والإجهاد وفقدان الرضا الشخصي.
التأثير الطويل الأجل للنجاح الفوري
في حين أن النجاح الفوري قد يجلب مكافآت مادية، فإنه غالبا ما يؤدي إلى شعور بالفقدان والفراغ على المدى الطويل. السعي المستمر نحو الكمال والمكافآت الفورية يترك الأفراد في حالة من عدم الرضا الشخصي والشعور بالنقص. هل يمهل الاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا الحديثة رواد الأعمال الجدد الوقت لالتقاط أنفاسهم ومراجعة خططهم؟
البحث عن الهدف وفقدان الرضا
ملاحقة الضوء وهدهدة الأنا المتضخمة والبحث عن هدف لكل شيء بحيث فقدوا رؤية وتذوق الأنا في حد ذاتها ولم يعد لهم سبل للإشباع وربما نخلص منها إلى استحالة العودة إلى قيم المارشميلو وكأننا نجري في اتجاه جديد في تجربة جديدة.
🔶شاهد أيضاً: الفرق بين ريادة الأعمال في الكتب والواقع – محمد خضر