كثيرًا ما نستمع إلى القادة والمديرين يتحدثون بحماس وشغف عن ضرورة وحتمية تطوير ثقافة المنظومة. يشددون على أن عالم الأعمال من حولنا يتطور بسرعة ملحوظة، وأنه إذا أردنا التفوق والازدهار، أو على الأقل مواكبة هذا التطور، فعلينا جميعًا العمل معًا لتطوير ثقافة منظومتنا.

لكن، وبعد أن نستمع إلى هذه الخطب الحماسية، يتبادر إلى أذهاننا سؤال مُلِح ومهم: هل الجميع على نفس درجة الوعي بما يعنيه هذا المفهوم؟
وإذا افترضنا جدلًا أن الإجابة هي “نعم”، يتبادر حينها سؤال آخر: هل نحن، كأعضاء في المنظومة، نمتلك القدرة على تطوير هذه الثقافة؟

سنحاول معًا، بشكل بسيط وعملي، التعرف على هذا المفهوم، أهميته، ودورنا العملي في تطوير ثقافة المنظومة.

اقرأ أيضاً: كيف تدير التغيير؟ How to Manage Change

فعلى الرغم من تعدد التعريفات لمفهوم “ثقافة المنظومة”، والتي تجاوزت ثلاثمائة تعريف، لا تندهشوا… فذلك بالطبع يعود إلى اختلاف الخلفيات والخبرات العملية للمهتمين والباحثين في هذا المجال. ولكن دعونا نستخدم كلمات بسيطة ومتفق عليها تساعدنا في التعرف على هذا المفهوم. ثقافة المنظومة هي مجموعة من القيم والافتراضات والمعتقدات والتوقعات للمنظومة، والتي يُفترض أن يؤمن بها جميع أعضائها، وأن تنعكس على سلوكياتهم وأدائهم.

ومن الطبيعي بل ومن المتوقع أن تختلف هذه الثقافة من منظومة إلى أخرى، وذلك يعود إلى عدة عوامل، يأتي على رأسها: طبيعة العمل، أي طبيعة نشاط المنظومة، المستخدمون وخاصة العملاء، أساليب القيادة والإدارة، وبالطبع الاستراتيجيات المتبعة في المنظومة.

لذلك، على قادة المنظومة أن يكون لديهم وعي كبير بالواقع العملي للمنظومة، وأن يمتلكوا رؤية واضحة وموحدة وخلاقة، تدعم بقوة خلق بيئة عمل إيجابية ومحفزة على الإبداع والابتكار والمبادرة بكل ما هو جديد. كما يجب أن يتم التواصل بهذه الرؤية بشكل فعّال، وذلك إذا أرادوا أن تكون ثقافة المنظومة متماسكة ومتسقة، وأن تصبح مفتاحاً رئيسياً للأداء المبدع والمتميز.

وعلى المديرين التنفيذيين أن يضعوا استراتيجيات واضحة، وأن يجدوا الآليات المناسبة لربط القيم والافتراضات والتوقعات بأهداف العمل والسلوك الوظيفي والأداء. كذلك، ينبغي أن يحرصوا على تمكين موظفيهم من خلال توجيههم وتحفيزهم وتدريبهم، وإشراكهم في صنع القرارات، وتوسيع مسؤولياتهم بشكل تدريجي يتناسب مع صلاحياتهم. كما يجب الاستماع إلى مقترحاتهم وآرائهم في أداء المنظومة، وأخذها بعين الاعتبار، واحترام الاختلافات بينهم، بل واستثمارها لصالح المنظومة. علاوة على ذلك، يجب أن يبذل المديرون جهداً كبيراً في دعم وتشجيع ثقافة العمل الجماعي، وترسيخ مفهوم الأمان الوظيفي، إذا أرادوا أن تصبح ثقافة المنظومة المكون الأقوى للإنتاجية والتقدم.

أما الموظفون، فعليهم أن يخلصوا في أداء مهامهم بكفاءة، وأن يحرصوا على الالتزام بمعايير الجودة والأداء المتميز، فالكم وحده لا يكفي؛ بل الكم والكيف معاً. كما ينبغي أن يتذكروا دائماً أن مصلحة العمل تأتي أولاً، وأن بيئة العمل ليست مسرحاً للخلافات والصراعات الشخصية، وأنهم لا يمثلون أنفسهم فقط، بل هم كالمرآة التي تعكس سمعة المنظومة.

إن تحقيق ذلك يتطلب جهداً كبيراً وعملاً شاقاً لا يمكن لأي فرد القيام به منفرداً، بل يحتاج إلى تضافر الجهود وتعاون الجميع من أجل إنجاحه وجني ثماره.

اسمع بودكاست: كيف تدير التغيير؟ How to Manage Change