نجاح OKRs في شركات التقنية هو إثبات بدلائل ملموسة على مدى فاعلية OKRs كنظام لإدارة الأهداف. فالأسس النظرية تكتسب صحتها من مدى قابليتها للتطبيق على أرض الواقع وتحقيق ما نُصَّ عليه من إمكانيات يمكن الوصول إليها عبر بوابتها الخاصة. فبدأت الشركات تتهافت على تبنيه كنهج تُحقق من خلاله الأهداف، والتي تتسم ملامحها بالطموح والإبداع بعيدًا عن الجمود والإحجام. من خلال ما سيُطرح من تحليل تجارب حقيقية أقامتها أشهر الشركات التقنية، تتضح لك الصورة التعريفية لهذا النظام وتتشكل ملامح مميزاته وعوائده النفعية للمؤسسات.
ما الذي ساهم في نجاح OKRs في شركات التقنية
بين ما ستفعله وكيف ستفعله نقطة انطلاق تبدأ منها العملية القياسية وتمتد للنقطة التي بالوصول لها نعلن تحقيق النتائج، وهو الترجمة التفصيلية لتحقيق الهدف. هذا باختصار دور الأهداف والنتائج الرئيسة OKRs، فرغم أنها مبنية على مبادئ بسيطة وفي منتهى التجرد المنطقي، إلا أن ذلك لا يتنافى مع قدرتها على تحقيق نتائج عظيمة مرتبطة بالأهداف الأكثر إبداعًا.
النواتان الأساسيتان لنظام إدارة الأهداف OKRs
يتألف شقّا OKRs من الهدف المراد تحقيقه، والشق الثاني هو نتائجه الرئيسة، ويُقصد بها الطريقة التي يُقاس بها تحقيق الهدف. حتى يتحقق نجاح OKRs في شركات التقنية؛ ينصح مدربو OKR عند صياغة الاستراتيجية:
- أن تكون الأهداف موجزة وطموحة، وتشع بالإلهام الذي يُنير للفريق درب الوصول للهدف.
- أما عن نتائجك الرئيسة فحدد مجموعة المقاييس المناسبة لكل هدف، وتحدد من نتيجتين إلى خمس نتائج ولا تزد، فبكل زيادة تضع حواجز ومعوقات تتأرجح بين التشتت بين النتائج أو نسيانها من الأساس.
نظام تتبّع نجاح OKRs في شركات التقنية
لكل نظام طريقة لتتبّع نجاحه، وفيما يخصّ تتبع نجاح OKRs في شركات التقنية؛ يُستخدم نظام الدرجات لتتبّع الإنجازات المحرزة (Scores)، من خلال مقياس مدرّج من 0 إلى 1، حيث تعكس هذه الأرقام مستويات الإنجاز اقترابًا أو ابتعادًا عن الهدف الذي وضعته وحددت خطواته في النتائج الرئيسة:
- 0.3: لقد ابتعدت كثيرًا عن هدفك ولم تحقق النتائج المطلوبة.
- 0.7: لم تعانق الهدف بشكل كلي، ولكنك أحرزت تقدمًا كبيرًا.
- 1.0: لقد حققت الهدف بالكامل بالوصول إلى الحد الأعلى.
لكن انتبه، فحصولك على درجة 1 دائمًا هو مؤشر على أن أهدافك ليست طموحة بما يكفي، ويجب أن تتحلى ببعض الجرأة والإقدام على ما هو أسمى. يمكنك الاستنتاج أن الحصول على 0.7 يعدّ نجاحًا حقيقيًا يتوافق مع الفلسفة التي تقوم عليها OKRs، فروح التحدي لا ترتبط بأهداف سهلة المنال.
البذور التاريخية المرتبطة بنمو ونجاح OKRs في شركات التقنية
- عام 1954 أرسى بيتر دراكر بعض الأولويات الهامة للإدارة الحديثة، فطرح لأول مرة مفهوم الإدارة بالأهداف (MBO) .
- قد كان جلّ انشغال MBO منصبًا على العمليات اليومية مما وَلد حالة من الانفصال عن الرؤية الشاملة للمؤسسة.
- فتعزلك مهام اللحظة الحالية عن رؤية الأهداف، فلا تمتد أعين المؤسسة لرؤية ما هو أبعد من حيث الأهداف الكبرى.
- هذا النظام كان قائمًا على تحديد أهداف واضحة قابلة للقياس، ويتم التقييم بناءً على تحقيقها.
- كان يتسم بجزء كبير من الجمود والميكانيكية، فقد خلا من الروح الإبداعية ولم يستوعب الحافز الداخلي للأفراد العاملة والرضا الوظيفي.
- أدرك آندي غروف أن كل ما هو جامد سيُكسر على عتبات التحولات والتغيرات العصرية، فطوّر نظام OKRs في السبعينيات داخل أروقة شركة Intel، ويمكن اعتباره النسخة المطوّرة من MBO.
OKRs خليفة لنظام ممارسة الإدارة بالأهداف MBO
- يرجع نجاح OKRs في شركات التقنية عن سابقتها MBO (ممارسة الإدارة بالأهداف) إلى تميزها بروح التعاون والعملية التشاركية. عوضًا عن الممارسات البيروقراطية التي تقوم على تحديد الأهداف من قبل الإدارة العليا أو المدير ثم بناءً على نظرته تُحدد الأهداف الجزئية والمهام الخاصة للموظفين.
- تعتمد تحديد الأهداف والنتائج الرئيسة على فرق العمل وفتح مساحة للاختيار ورسم الأهداف الجزئية بناءً على تخصص كل فريق.
- من جانب آخر لا يَنصب التركيز على مجرد أداء المهام وفقط، بل تتوسع مساحة تسليط الضوء على النقلات النوعية التي حققناها.
- أخيرًا، تحرص الاستراتيجية على كل من يطبقها أن يعي جيدًا بالتحديث المستمر للأهداف وتنقيحها وإدخال التعديلات اللازمة عليها بانتظام، فلا تفقد الأهداف قيمتها في ظل بيئات العمل المتغيرة.
- أتت هذه الاستراتيجية في السبعينيات لتحل معضلة يعاني منها الكثير، فغالبًا ما تقع الشركات التي لا تملك سقفًا للطموح في فخٍ، وعواقب غير محمودة؛ ناتجة عن سوء التقدير والقفزات غير المدروسة. فتُشيَّد مقاييس خاصة بكل هدف طموح، مقاييس غير تقليدية بل مقاييس تتبعية.
- يتجلى في هذا النظام أهمية الأهداف، وهذا في حد ذاته يعد دافعًا قويًا للأفراد بأن يبذلوا الجهود ويُعيرون للمسألة أولوية واعتبارًا. ففي علم النفس التطبيقي “يُظهر الموظفون أداءً وظيفيًا عاليًا عندما يستشعرون أن ما يؤدونه ذا أهمية بالغة”.
- من أهم عوامل نجاح OKRs في شركات التقنية؛ أنها لا تعمل بمعزلٍ عن الأنظمة الأخرى، إذ يمكن دمجها بسهولة مع سياسات الشركات المختلفة. وهنا يجب أن تتسم تلك الأنظمة والسياسات بالمرونة والقدرة الاستيعابية للتكامل مع نظيراتها من أنظمة الإدارة.
دراسة حالة 1: نجاح OKRs في شركات التقنية
شركة Adobe المعروفة بمنتجاتها البرمجية المبتكرة واجهت أزمة تمثلت في زيادة معدل الاستقالات الطوعية لدى الموظفين، وكانت خيوط البحث تشير إلى أن السبب يرجع إلى طبيعة نظام التقييم المتبع لدى الشركة؛
- فكان النظام قائمًا على تقييم الأداء السنوي، وكان له انعكاس سلبي من حيث شعور الموظفين أن التقييمات لا تعكس أداءهم الحقيقي، وأن جهودهم المبذولة طوال العام لا تُرى إلا في نهاية العام.
- كانت الملاحظات تُطرح بعد وقت طويل يصعب معه تصحيح المسار أو تحسين الأداء، فالافتقار إلى التغذية الراجعة المستمرة تسبب إرهاقًا وظيفيًا وأغلق باب التواصل والتفاعل بين الإدارة وفرق العمل.
الخطوات التصحيحية المبذولة
كان من الواضح أن نقطة الانطلاق يجب أن تبدأ من تبني نظام يعتمد على التقييمات المستمرة مع فتح المجال لوجود عملية تعاونية في وضع الخطط وأدوات تنفيذها. لم يكن هناك أفضل من دمج نظام OKRs في النظام الجديد، فبسبب اعتماد هذا النظام على قياس النتائج الرئيسة على المدى القصير والمتابعة المستمرة كان هو الحل الأمثل لمعضلة الشركة. فأنشأت برنامج Check-in، وكان النموذج الرئيس لهذا البرنامج هو نموذج إدارة الأداء المستمرة. يتكون هذا النموذج من ثلاث مراحل فعّالة:
1. تحديد الأهداف والتوقعات:
فكانت تتشارك أفراد الفرق المختلفة في وضع الأهداف، ولم يكن تحديدها حكرًا على أحد، فكانت الأهداف تُصاغ في قوالب تتناسب مع أهداف المؤسسة الكبرى بما يخدم الرؤية الخاصة بالمؤسسة، ومن ثم تحديد النتائج الرئيسة بالطريقة المعتمدة لدى نظام OKRs.
2. التغذية الراجعة المستمرة:
إذ تكون عبارة عن لقاءات دورية بين مسؤولي التقييم والموظفين لرصد ما تحقق من تقدم ومناقشته، بجانب التطرق للتحديات المختلفة واقتراح التحسينات.
3. التطوير المهني:
على غرار التفاعلات السابقة تُعقد اجتماعات تركز على النمو الوظيفي وتطوير الجانب المهني بما تقتضيه الحاجة، فهذه البيئة التفاعلية المنتجة تساعد في الكشف عن المهارات الجديدة بما يتيح الفرصة للعمل على تنميتها وتسخيرها في مكانها المناسب.
بهذه الخطوات الجادة المثمرة تمكنت شركة Adobe من التغلب على الأزمة التي واجهتها، فتراجع معدل دوران الموظفين وحَسَن نسبة الاحتفاظ بهم 35%، وزاد الرضا الوظيفي، وبَنَت ثقافة تعتمد على التعاون والتحسين المستمر.
كيف حققت LinkedIn أرباحًا في وقت قياسِ؟
مع نجاح OKRs في شركات التقنية، كان لشركة LinkedIn وضعًا مختلفًا، ففي أروقتها لم يُولد النظام من رحم أزمة، بل تم اعتماده كعملية تطوير وتحسين في النظم الإدارية؛ بهدف استجلاب المنافع المرتبطة به. بفضل تطبيق النظام بمنهجية صحيحة وفعّالة حققت الشركة نجاحات بلغت قيمتها 20 مليار دولار.
- أراد جيف وينر عند انضمامه إلى شركة LinkedIn أن يطور إطار العمل المتبنى من الشركة، وَحثَّ الجميع على العمل في اتجاه أهداف كبرى؛ حتى يذيب جبال العزلة بين الفرق العاملة، ويدعم عمليات التنسيق والتعاون بين الموظفين.
- فأصبح OKRs اللغة المشتركة بين جميع المستويات العاملة داخل الشركة، فكان لكل موظف الحق الكامل في وضع أهداف مرحلية تُراجع كل 3 أشهر من خلال مؤشرات كمية واضحة كأداة قياس.
- تعتمد الشركة اجتماعات دورية لضمان التوافق المستمر بين جميع الأقسام، مما يحدث نوعًا من التوازن بين الانضباط في المتابعة والانفتاح في التواصل.
🔸اقرأ أيضًا: تعرف على أهم 5 نصائح لدمج OKRs مع استراتيجية الشركة
دراسة حالة 2: نجاح OKRs في شركات التقنية (Fujitsu Finland)
التقطت الشركة إشارة العالم في اتجاهه نحو التغير السريع والتوجه نحو التكنولوجيا الرقمية، والتي ستكون أحد العوامل التي تحدد ما إذا كنت مؤهلًا لدخول ميدان التحدي والمنافسة في المستقبل القريب. ورغم ما تمتعت به الشركة من نقاط قوة مركزية، إلا أنها لم تكن محل زهو يصرفها عن رؤية أن هذا الثبات والقوة لن يكونا كافيين في ظل التحديات الحديثة. كان نجاح OKRs في شركات التقنية حافزًا لدى المدير العام للشركة لاعتماده كوسيلة لترجمة كل استراتيجياته الجديدة إلى واقع عملي ملموس.
خطوات تطبيق الأهداف والنتائج الرئيسة
لقد كان للمدير العام خبرة مع OKRs بفضل تجربته السابقة في شركة Google، فبدأ بالانطلاق السريع دون التدرج في التطبيق أو التنفيذ، وبدأ بالتغيير من اليوم الأول.
1. خضعت فرق القيادة لتدريبات خاصة بكيفية صياغة الأهداف الأولى للشركة وآلية التطبيق لتفعيل القيادة بالقدوة.
2. كان مدربو هذا النظام من نفس نسيج المؤسسة دون الاستعانة بالخارج.
3. إخبار عام لدى موظفي الشركة بالأولويات الاستراتيجية وأهداف الشركة الكبرى حتى لا تكون صياغة الأهداف بمنأى عن مرتكزات الشركة.
4. تبدأ الفرق بوضع أهدافها الخاصة اتساقًا مع أهداف الشركة خلال الربع الأول.
5. أُسست فرق افتراضية تحت اسم Company OKRs Core Teams يقودها أعضاء من الإدارة العليا لتصبح محطة تواصل وتنسيق بين الأقسام المختلفة وضمان نجاح OKRs في شركات التقنية التابعة.
6. اعتمد على التطبيق السريع والشامل وتحسين جودة التطبيق تدريجيًا. يقول ميكّو المدير التنفيذي معترفًا: “كنا نعلم أن الانطلاقة بهذا الشكل الكبير لن تكون مثالية في البداية، لكن السرعة في تحقيق الاصطفاف وتحمّل المسؤولية كانت أمرًا حاسمًا.”
العوائد الناتجة عن تطبيق الأهداف والنتائج الرئيسة
- بعد عامين بدأت الشركة بجني ثمار الجهد، فارتفع مستوى الرضا الوظيفي، وفاقت مستويات رضا العملاء مستويات الرضا الخاصة بالمنافسين بمقدار 11 نقطة.
- ومن خلال الأتمتة وتحسين العمليات تحققت وفورات مالية بملايين الدولارات.
- يصف ميكّو التجربة بعبارة جميلة: “نظام OKRs بسيط في جوهره، لكن تطبيقه أشبه بفنٍّ راقص، لأن كل منظمة وكل ظرف فريد من نوع”.
الخاتمة
نجاح OKRs في شركات التقنية لم يكن محض صدفة، بل ثمرة وعي إداري أدرك أن وضوح الهدف هو الشرارة الأولى لأي إنجاز حقيقي. فحين تتحد الرؤية مع روح التحدي، ويتحوّل القياس إلى أداة للإلهام لا للمحاسبة، تولد بيئة تُزهر فيها الأفكار ويُعاد تعريف الممكن. وهكذا أثبتت OKRs أن النجاح في عالم التقنية لا يُقاس فقط بما ننجزه، بل بكيفية تطورنا ونحن نسعى نحوه.
🔶شاهد أيضاً: سيكولوجية قيادة الشركات لزيادة الارباح وادارة الخسارة- محمد زين رئيس مجلس إدارة شركة الأمل الشريف




