التفاوض عملية مشتركة بين طرفين يسعى كلَا منهم إلى الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب في مقابل أقل قدر ممكن من التنازلات، وحياتنا مليئة بالمفاوضات سواء مفاوضات حول الراتب عند التقدم على وظيفة، أو الاتفاق على شراكة، او تسوية اتفاقات تجارية كبرى، فهناك العديد من الأمثلة التي نحتاج فيها إلى فن التفاوض، بل وكثيرًا ما نستخدم بعض تقنياته بدون وعي، وفي هذا المقال سنلقي الضوء على أهم أساسيات فن التفاوض. 

أساسيات فن التفاوض

التفاوض يجمع بين الفن والعلم والمهارات اللازم للشخص المفاوض، ولكن هناك بعض الأسس التي عليك معرفتها والإلمام بها حتى تتمكن من التفاوض بشكل سليم، وفيما يلي أهم أساسيات التفاوض: 

تحديد الأهداف 

قبل البدء في عملية التفاوض عليك تحديد أهدافك بعناية وما الذي تريد الحصول عليه من خلال عملية التفاوض، فهذه نقطة أساسية في مرحلة الاستعداد. 

تحديد الزمان والمكان 

حتى تحصل على أفضل النتائج من المفاوضات عليك معرفة وقت إجراء المقابلة من أجل الاتفاق لكي تتمكن من الاستعداد والترتيب المسبق ودراسة الوضع بشكل سليم حتى تتمكن من خوض عملية التفاوض بنجاح، في بعض الأحيان نجد أنفسنا في موقف التفاوض دون سابق إنذار لذا عليك التمتع بمعرفة كيفية التفاوض.

أما بالنسبة للمكان فأفضل الحلول هو المقابلة في أرض وسط، أما إذا لم يكن هناك مكان حيادي بينكما، فحاول أن تكون المفاوضة في مكتبك داخل أرضك فهذا يضيف لك عنصر قوة. 

 الاستعداد 

الاستعداد الجيد للتفاوض هو أول خطوة في طريق عقد صفقة ناجحة، وذلك من خلال جمع المعلومات اللازمة ودراسة الوضع جيدًا، وتحدد أهدافك كما ذكرنا سابقًا، وتدريب الوفد المفاوض على النقاش الذي يمكن خوضه مع الأطراف الأخرى، وما هي حدودهم في اتخاذ قرارات، وغيرها من الأمور التي عليك تحديدها قبل التفاوض. 

تعرف على نفسك وعلى خصمك

معرفة نفسك من خلال تحليل الوضع الحالي وتحديد نقاط القوة والضعف وما هي احتياجاتك والأهداف التي تريد الوصول إليه، وكذلك معرفة كافة المعلومات عن خصمك حتى تحصل على نقطة قوة إضافية وتتمكن من النقاش معه وفقًا لأدلة وحقائق. 

تعيين الحدود 

يجب معرفة حدودك جيدًا عند النقاش مع الطرف المقابل في عملية التفاوض، بمعنى أن تكون واعيًا للحد الأدنى الذي لن تتمكن من التنازل عنه أكثر من ذلك، وأيضًا وضح حد للمتطلبات التي تسعى أن يقدمها لك الخصم، فهناك سقف له أيضًا وعند تجاوزك لهذا الحد قد تصل معه إلى نقاش مسدود، لذا عليك الموازنة بين الأمرين التنازل والمتطلبات. 

التركيز على العاطفة 

برغم أن المفاوضات تكون عقلانية ولكن التركيز على العاطفة أثناء الحديث له تأثير كبير في مرحلة الإقناع، أن يكون المفاوض يمتلك من الذكاء الاجتماعي ما يمكنه من إقناع الطرف الآخر أنه صاحب القرار في حين أنه هو المتحكم في عملية التفاوض، والدمج بين الحديث المنطقي واللعب على وتر المشاعر في نفس الوقت.

من هو صاحب القرار 

في بعض الأحيان لا يملك أحد الأطراف القدرة على اتخاذ القرار، ولكنه هو من يقوم بالمناقشة وحضور المفاوضة، هنا اجعل كلامك موجهًا نحو صاحب القرار والعمل على التأثير عليه وإقناعه. 

🔸إقرأ أيضاً: فن التفاوض | 6 استراتيجيات للتفاوض على المبيعات

النقاش والتفاوض 

المرحلة الثانية من التفاوض بعد الاستعداد هي التفاوض وفتح باب النقاش بين الطرفين، وفي هذه المرحلة يحاول كل طرف أن يحقق مكاسب على حساب الطرف الآخر، ولكن هناك بعض أنواع المفاوضات تنتهي بمكسب للطرفين، فالهدف ليس سحق الطرف الآخر وإنما الوصول إلى حلول مشتركة مرضية للطرفين. 

التسوية وعقد الصفقة 

بعد إجراء المناقشة نصل إلى مرحلة التسوية حيث تكون وصلت جميع الأطراف إلى مساحة مشتركة وحلول مرضية لهم، حيث يتم إبرام الصفقة ويتحقق الأهداف المرجوة من التفاوض. 

مبادئ هامة حول التفاوض 

قد يبدو للبعض أن التفاوض ناتج عن نزاع ومشكلات ولكن هو فقط وسيلة للوصول إلى حلول، وفي خلال عملية التفاوض للوصول إلى حل وتحقيق مكاسب إضافية يجب مراعاة بعض المبادئ الهامة: 

احترام المشاعر 

احترام الأشخاص في الطرف المقابل، وعدم الضغط عليهم بحيل غير أخلاقية، أو الاستهزاء منهم أو بالعرض الذي يقدموه، عدم النيل من مشاعرهم بأي أذى، بل احترامك لمن حولك هو دليل على احترامك لنفسك وللشركة التي تقوم بتمثيلها. 

الحفاظ على العلاقات الاجتماعية 

بناء علاقات اجتماعية داخل بيئات العمل أمر في غاية الأهمية، بل يعتبر الحفاظ على علاقتك الجيدة بالخصم هو مكسب في حد ذاته، فمن الممكن تعويض الجزء المادي من الصفقة بأي وسيلة أخرى، ولكن خسارتك لخصم شريف وتأثر علاقاتك الاجتماعية بالسلب هو أمر من الصعب تعويضه. 

الاهتمام بالقيم والأخلاق 

لا يمكن اللجوء إلى طرق ملتوية وحيل غير أخلاقية لكسب المفاوضات، فهذا امر غير مقبول وغير لائق ومرفوض كليًا، فالتمسك بالأخلاق والقيم العليا ينعكس عليك بالإيجاب حتى لو كانت كلفته أعلى من وقت ومجهود ومال، ولكن الالتزام الأخلاقي وبكود المهنة لا يقدر بثمن. 

احترام المعتقدات والدين 

قد يختلف الطرفين ويجدوا في الشريعة حل لهذا الأمر، فمن الممكن اللجوء إلى الشرائع لإنهاء بعض الأمور، أيضًا احترام معتقدات وديانة الطرف المقابل أمر مفروغ منه، وعليك الابتعاد عن وضع أي عنصر يخالف شريعته داخل الصفقة، فلا تضعه في موقف حرج،ن وعليك التفهم وإظهار الاحترام للطرف المختلف عنك. 

في عالم مليء بالاختيارات عليك معرفة أساسيات فن التفاوض حتى تتمكن من إدارة عملك أو أمورك الشخصية بنجاح، فقد أثبت دراسة أن 84% من الموظفين الذين يتفاوضون حول مرتبات يتم الاستجابة لهم بالإيجاب والحصول على الزيادة المرغوبة، كذلك عقد الصفقات الكبرى، أو التقديم بعرض عمل بين الشركات المختلفة بهدف التعاون مع جهة أخرى وتكون في سباق مع منافسينك، مهاراتك وإلمامك بالتفاوض يجعلانك قادرًا على جعل الأمور في صالحك. 

التفاوض ليست مجرد أداة حتى تحقق هدفك وتعقد صفقة بنجاح، حيث يمكنك من خلال التفاوض كسب علاقات عمل جديدة وبناء روابط مع جهات مختلفة، والعمل على تطوير وتحديث المؤسسات، فالهدف ليس عقد الصفقة فحسب ولكن أيضًا مرحلة الاستعداد والتفاوض يمدناك بالكثير من المعلومات حول شركتك وأهم المنافسين لك، بالإضافة إلى بناء روابط من الثقة والتعاون مع الآخرين. 

يعتمد نجاح المفاوضات على عدة عوامل منهم الاستعداد الجيد والإعداد المسبق للمفاوضات من خلال تحديد الأهداف ودراسة الوضع الحالي وتحليل المنافسين، واختيار أفراد تمتلك مهارات عالية الجودة في فن التفاوض والإقناع مثل الاستماع الجيد وسرعة البديهة والدمج بين طريقة الحوار المنطقية والعاطفية حسب طبيعة الموقف والمتلقي، بالإضافة إلى قدرته على قراءة الموقف ومعرفة مفاتيح شخصية الأطراف الممثلة لشركة الخصم من خلال ملاحظة التفاصيل والتركيز العالي مع الطرف الآخر، وانتقائه للمصطلحات الملائمة لطبيعة الموضوع والموقف. 

أخيرًا لا تتجاهل أهمية دائرة العلاقات الاجتماعية حتى داخل الأعمال التجارية الضخمة، دائمًا ما تتقاطع خطوط المصالح مرةً أخرى ومن الممكن أن تلتقي بنفس خصومك ولكن في موقف تحتاج إليهم، أيضًا تحلى بالرقي أثناء التفاوض ولا تفكر في كيف تهزم الخصم أو تتسبب في خسارته ولكن فكر في كيفية تحقيق أهدافك مع عدم تكبد الخصم خسائر كبرى. 

🔸شاهد: مرحلة المفاوضات والخروج من الشركات مع سامح صالح مؤسس harmonica