في المقال السابق تحدثنا على الشركات العائلية، مفهومها، وأشكالها المختلفة. وأشرنا بشكل موجز إلى المشاكل الإدارية التي تواجه الشركات العائلية. وفي هذا الجزء سنتحدث بشكل أدق وأعمق عن مشكلة بعينها تعد من أهم التحديات التي تواجه هذا النوع من الشركات، وهي ظاهرة “One man show”.
فما المقصود بمشكلة “One man show” في الشركات العائلية؟
يمكن ببساطة اختزال مشكلة “One Man Show” في القائد الأوحد. القائد الأوحد هو مؤسس الشركة الذي وضع حجر أساسها وبدأها من الصفر بالعمل الشاق والمثابرة وتقديم عدد من التضحيات ليتمكن من تأسيس شركة صغيرة أو متوسطة ويكون لنفسه ولعائلته من بعده مستقبل مادي وكيان استثماري يزدهر من جيل إلى آخر. وغالباً ما يكون من خلفية متواضعة.
تعد هذه المشكلة من أكبر التحديات الإدارية التي تواجه الشركات العائلية، لما لها من أثر على مركزية اتخاذ القرار، حيث يكون حق اتخاذ القرارات للقائد الأوحد الذي يكون هو الآمر الناهي في الشركة ولا يتم شيء إلا بموافقته، مما يجعل الباقين مهمشين أو مجرد منفذين للأوامر. ولا يعتبر هذا الأسلوب الإداري خاطئاً، ولكن الاعتماد عليه يجب أن يكون في نطاق محدود ولا يجب أن تتمركز سلطة القرار في الشركة فقط على شخص واحد وفقاً لمنصبه، بل من الضروري أن تكون هناك مشاركة وديمقراطية.
مواصفات القائد الأوحد في الشركة
يمكن بإيجاز ذكر مواصفات القائد الأوحد في الشركة فيما يلي:
- قد يكون مؤسس الشركة، أو أول من أدارها من جيله.
- لا يتم شيء إلا بموافقته وإثبات إمضائه.
- هو المتحكم الوحيد في القرارات المتعلقة بأي نشاط في الشركة.
- يكون على علم بكل تفصيلة في الشركة ووحده يقدم الحلول ويلزم الآخرين بتطبيقها.
مدى تأثير مشكلة القائد الأوحد “One Man Show” على الشركة العائلية
تؤثر مشكلة القائد الأوحد على الشركة المملوكة للعائلة بشكل سلبي في عدة جوانب، حيث:
- يكون من الصعب التركيز على القرارات الاستراتيجية والسوق التي تنشط فيها الشركة، لأن انشغال المدير الممسك بزمام الأمور يكون متجهاً بشكل أكبر إلى ما يحدث داخل الكيان، مما يعرقل التفكير الاستراتيجي الذي يعتمد على دراسة البيئة الخارجية للمؤسسة.
- انخفاض إنتاجية الموظفين والمدير “صاحب الشركة” على حد سواء، إذ نجده يعمل لفترات طويلة تتجاوز 12 ساعة يومياً، ومع ذلك يضيع مجهوده على مراقبة كل صغيرة وكبيرة تحدث داخل الشركة. وفي نفس الوقت يتكون لدى الموظفين والمسؤولين في الشركة نوع من الاعتماد الكلي عليه في حل المشاكل مما يضعف إنتاجيتهم.
- انخفاض الحماس وضعف الدافع الإيجابي “motivation” عند الموظفين، وذلك بسبب تمركز جميع السلطة وحق اتخاذ القرارات، مما يجعلهم مجرد منفذين دون أن يكون لهم أي سلطة أو رأي، وهو ما يخلق لديهم عدم مبالاة ونفور من العمل بشكل عام.
- تعطل بعض الأعمال في الشركة بسبب غياب المدير أو انشغاله. إذ أن مجرد إمضاء قد يعطل مصالح كبرى.
- صعوبة تولي الجيل القادم زمام الأمور وإدارة الشركة من بعد “القائد الأوحد”، سواء أراد أن يتقاعد لأي سبب من الأسباب أو توفي. حيث يكونون غير مؤهلين وغير مهيئين لذلك.
- عدم اعتماد الشركة على نظام إدارة وتسيير يضمن سيرورة جميع النشاطات بشكل طبيعي، بل على قرارات القائد الواحد مما يهدد سيرورة الأعمال فيها وينتج عنه بالضرورة تعرقل عدة مصالح.
وفي الحقيقة، نجد أن هوية القائد الأوحد تعتمد من وجهة نظره على الدور الذي يؤديه في الشركة العائلية. وفي قرارة نفسه وإن كان يتذمر بعض الأحيان من أن كل المسؤولية تقع على عاتقه، إلا أنه يحب أن يكون اعتماد الآخرين عليه كبير ليشعر بأهميته وأن الكيان الذي أنجزه ما زال قائماً على شخصه.
حل مشكلة القائد الأوحد في الشركة العائلية
لقد وضحنا فيما سبق مفهوم مشكلة “One Man Show” في الشركة العائلية وتأثيرها الكبير على هذا الكيان الاستثماري الذي نشأ واستمر على عدة أجيال ربما، وهو ما يستوجب التصدي لمثل هذه الظاهرة ومعالجتها. ويعتمد الحل الأول والجذري في العمل على الجانب النفسي لقائد الشركة، حيث لا يمكن لبعض أصحاب الشركات مقاومة الرغبة في محاولة السيطرة على جميع جوانب الأعمال التجارية والإدارية، ولكن اقتناعهم بضرورة التخلي عن السيطرة وتفويض المسؤولية للآخرين “delegation” هو أحد أفضل وأهم الطرق والحلول لتجنب الوقوع في عدة مشاكل تترتب على ذلك.
- ترسيخ ثقافة توسع وبناء اسم تجاري للشركة: يجعل أفراد العائلة المشاركين في الشركة يتمسكون بالعمل فيها بدل من إنشاء شركات خاصة بهم أو العمل على مشاريع أخرى أو الانتقال إلى شركات منافسة. ومنح الأفراد الثقة ومساحة أكبر في العمل بحرية دون قيود من “المتحكم في شركة العائلة”، حتى يكون لديهم أريحية أكبر في العمل ويكونوا قادرين على الإبداع وتقاسم المسؤولية وحق اتخاذ القرار.
- تحديد نظام عمل “process” واضح لكل عملية تتم داخل الشركة: وفقاً لمراحل التشغيل، الإنتاج، الإدارة وغيرها، ويتحدد من خلاله مهام كل فرد ومدى مسؤوليته وحجم سلطته.
- نقل الخبرات والعمل على تدريب الجيل القادم على عدة مهام في الشركة: حتى يكونوا مستعدين ومؤهلين لتسلم إدارة شركة العائلة والحفاظ على نجاحها واستمراريتها وحتى قدرتها على المنافسة في السوق.
- الفصل بين الملكية والإدارة: وهو من النقاط المهمة جداً التي تمكن من مواجهة مشكلة القائد الأوحد في الشركة العائلية، فليس بالضرورة أن يكون المؤسس هو المدير أو أن يستمر في الإدارة دون توريثها لغيره من أفراد العائلة، بل من المهم جداً أن يكون هناك فصل في “السلطات” أيضاً.
- تعيين مدراء من خارج دائرة العائلة: يكون لديهم القدرة على توجيه نشاط الشركة وتأسيس نظام إداري واضح وناجح لها. وهنالك عدة أمثلة على نجاح شركات عائلية اتخذت هذا المسار منها Hienz Family Business، وشركات أوراسكوم لعائلة ساويرس.
الخلاصة
تعد مشكلة القائد الأوحد من أهم وأبرز المشاكل التي تواجهها الشركات المملوكة للعائلة، ومع ذلك فهي ليست الوحيدة. حيث يوجد عدة جوانب أخرى يجب الاهتمام بها للحفاظ على استمرارية الشركة وكيانها وتطورها مع تطور السوق والبيئة وحتى تغير توجهات وسلوكيات الأجيال الجديدة.
أقرأ أيضا
الشركات العائلية: ما هي، وما مشاكلها (١)
الشركات العائلية: ما هي، وما مشاكلها (٣)
قد يهمك:
الحفاظ على استمرارية الشركات العائلية عبر الأجيال
أهم 9 مشاكل تواجه الشركات العائلية