في المقالات السابقة، تحدثنا عن الشركات العائلية وتناولنا تفاصيل كثيرة، كان آخرها مشكلة من أكبر المشكلات التي تواجه هذا النوع من الشركات، وهي مشكلة القائد الأوحد “One Man Show”. واقترحنا عدة حلول لتفاديها أو معالجتها. ومن النقاط المهمة جدًا والمرتبطة بشكل كبير بالشركات العائلية، لضمان تطورها واستمرارها، هي إدارة التغيير والتحول الرقمي.
التغيير:
للتغيير جانبين رئيسيين:
- التخطيط للتطور: وهو الجانب الذي يركز على وضع استراتيجية مدروسة لتحقيق النمو والابتكار.
- الخوف من عدم التأقلم مع الوضع الجديد: وهو الجانب النفسي الذي يواجه كلًّا من المدراء والموظفين على حد سواء، ويعد تحديًا رئيسيًا عند تطبيق التغيير.
التغيير جزء ضروري ومهم لجميع الشركات؛ لأنه بدونه سيتعرض أي كيان استثماري للتلاشي. ومع ذلك، فإنه غالبًا ما يكون له تأثير على هيكلة المؤسسة ويُواجه بالمقاومة والنفور.
للتغلب على مقاومة التغيير، التي تُعد متأصلة في أي عملية تطور، من الضروري البدء بتحديد الأسباب الكامنة وراء هذه المقاومة، ثم العمل على إيجاد حلول فعالة لها.
بودكاست ذو صلة: مشاكل وتحديات البزنس العائلي وكيف تتخطى تلك التحديات
مفهوم مقاومة التغيير
من المهم توضيح مفهوم مقاومة التغيير (Resistance)، وهو تحدٍّ تواجهه الشركات، أو بالأحرى أصحابها، عند الرغبة في الانتقال بها إلى مرحلة أكثر حداثة وتطورًا. تتمثل هذه المقاومة في عراقيل تنشأ من البيئة المحيطة أو من الموظفين الذين اعتادوا على نمط عمل معين، ويجدون صعوبة في تقبّل التغيير.
تعد مقاومة التغيير أحد ميكانيزمات الدفاع التي تظهر عند مواجهة خطر التغيير. ومع ذلك، سواء للشركات أو الأفراد، فإن مواكبة التطورات والظروف المحيطة تُعد خطوة حاسمة لضمان الاستمرارية والتأقلم بشكل أفضل مع البيئة الخارجية.
لذلك، من الضروري تحدي الأفكار المناهضة للتغيير والتعامل معها بذكاء، لضمان نجاح عملية التطوير وتحقيق أهداف المؤسسة.
التغيير وضرورة التحول الرقمي في الشركات العائلية
التحول الرقمي (Digital Transformation) هو عملية دمج التكنولوجيا الرقمية في جميع مجالات العمل، مما يؤدي إلى تغيير جذري في كيفية تشغيل الشركة وتقديم القيمة للعملاء. بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر التحول الرقمي تغييرًا ثقافيًا يستلزم تحدي الوضع الراهن وترسيخ هذه الثقافة بين الموظفين، لمنع مقاومتهم لمثل هذا التغيير.
هذا التحول ليس مجرد خيار بل ضرورة ملحة لجميع الشركات، وخاصةً الشركات العائلية، بغض النظر عن حجمها. لضمان نجاح هذه العملية، يجب أن تكون مدعومة بخطة استراتيجية واضحة تُناقش كيفية تمكين الشركة من المنافسة في بيئة رقمية متزايدة التعقيد، مع تهيئة الموظفين وتدريبهم لاستيعاب هذا التغيير.
بعبارات أبسط، التحول الرقمي يعني القدرة على:
- ربط المجتمع الداخلي للشركة، بما يشمل الموظفين والإدارة، عبر أنظمة وأجهزة مترابطة بطريقة مبسطة وسريعة.
- تجميع وتحليل البيانات المتعلقة بكل ما يحدث داخل الشركة، بما يشمل سير العمل وتفاصيل العمليات اليومية.
- اتخاذ قرارات مستنيرة بناءً على تحليل البيانات المُجمعة، مما يتيح لأصحاب القرار الاعتماد على أسس صلبة بدلاً من التخمين أو التجارب الشخصية فقط.
بهذا الشكل، يُصبح التحول الرقمي ليس مجرد عملية تقنية بل استراتيجية شاملة تعزز الكفاءة والاستدامة.
المشاكل التي تواجه التحول الرقمي في الشركة
من أكبر التحديات التي تواجه التحول الرقمي في الشركات هو عدم وضوح مفهومه بشكل كامل. هل يُعد التحول الرقمي مجرد وسيلة جذابة لمواكبة التطور التكنولوجي عبر تعزيز نظام الشركة بمجموعة من البرامج (software)؟ أم أن الأمر يتطلب خطوات أعمق وأكثر استراتيجية؟
تتردد تساؤلات عديدة مثل:
- ما هي الخطوات المحددة التي يجب اتخاذها قبل الشروع في هذه العملية؟
- هل تحتاج الشركة إلى استحداث وظائف جديدة لإدارة هذه البرامج، أم يكفي الاستعانة بخدمة استشارية؟
- ما هي الأجزاء من استراتيجية الشركة التي يجب تغييرها لتلائم هذا التحول؟
- وأخيرًا، هل يستحق التحول الرقمي كل هذا العناء؟
الحقيقة أن عدم فهم طبيعة التحول الرقمي وأهدافه بدقة يمكن أن يؤدي إلى فشل التجربة بالكامل. التحول الرقمي ليس مجرد شراء برامج وإنفاق أموال طائلة عليها دون دراسة أو تحديد احتياجات الشركة. إنه عملية استراتيجية تتطلب رؤية واضحة لتحديد الأهداف، وفهم السياق التشغيلي للشركة، وربط التحول الرقمي بأهداف العمل الأساسية.
ما تحتاجه الشركات فعلاً هو وضع خطة مدروسة تُحدد فيها:
- الهدف من التحول الرقمي وكيفية تحقيقه.
- الاحتياجات الفعلية من حيث الموارد البشرية والتقنية.
- التأثير المتوقع على العمليات واستراتيجية العمل.
من دون هذا الفهم العميق، قد يتحول التحول الرقمي إلى عبء بدلًا من أن يكون فرصة للنمو والتطور.
كيف يمكن ضمان نجاح التحول الرقمي في الشركة العائلية
ضمان نجاح التحول الرقمي في الشركات، سواء كانت عائلية أو غيرها، يعتمد على شقين رئيسيين: الشق البشري والشق التكنولوجي.
أولاً: الشق البشري
يتعلق الشق البشري بالأشخاص الذين يستخدمون الأدوات التكنولوجية مثل البرامج والحواسيب. ومن الأسئلة المهمة التي يجب طرحها:
- هل يمتلك الموظفون الثقافة الرقمية والمستوى اللازم لاستخدام الأدوات التقنية بنجاح؟
- هل البيئة الداخلية للشركة مهيأة لاستقبال هذا النوع من التغيير والتعامل معه بفعالية؟
تهيئة الموارد البشرية للتحول الرقمي تُعد أهم خطوة في هذه العملية. فهي تركز على إعداد الموظفين نفسيًا وتقنيًا لفهم أهداف التحول الرقمي واستيعاب فوائده. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة ليست الأصعب. الأصعب هو اختيار البرنامج التشغيلي المناسب وتدريب الموظفين عليه بفعالية، حيث يتطلب ذلك متابعة دقيقة وتجهيزًا نفسيًا ومهنيًا لضمان النجاح.
ثانياً: الشق التكنولوجي
يرتبط الشق التكنولوجي باختيار الأدوات التقنية المناسبة وضمان توافقها مع احتياجات الشركة. ومع ذلك، يأتي هذا التحول الرقمي مصحوبًا بتحديات مرتبطة بالموارد البشرية، مثل التعامل مع الموظفين كبار السن الذين قد يجدون صعوبة في مواكبة التطور التكنولوجي رغم خبرتهم الكبيرة. لذلك، يصبح من الضروري إجراء دراسة دقيقة لتقييم:
- إمكانيات الموظفين الحالية.
- جاهزية البنية التحتية.
- مدى توافق الثقافة السائدة في الشركة مع متطلبات التحول الرقمي.
خطوات لتحقيق التحول الرقمي بنجاح
- التدرج في التغيير: ينبغي إدخال التعديلات تدريجيًا بدلاً من تطبيقها دفعة واحدة، مما يسمح للموظفين بفهم المرحلة الجديدة والتأقلم معها.
- تحديد الأهداف: من الضروري وضع أهداف واضحة للتحول الرقمي وتحديد خطة استراتيجية قابلة للتنفيذ.
- وضع قواعد للتنفيذ: يجب تأسيس قواعد لتطبيق الاستراتيجية ومتابعة النتائج بانتظام لضمان تحقيق الأهداف.
- التحسين المستمر: الحفاظ على ثقافة التحسين المستمر (Continuous Improvement) يعزز فرص النجاح على المدى الطويل.
باختصار، التحول الرقمي هو عملية شاملة تتطلب تنسيقًا دقيقًا بين التكنولوجيا والموارد البشرية، مما يضمن تهيئة الشركة لمواجهة تحديات المستقبل والبقاء ضمن بيئة تنافسية رقمية.
خطوات إدارة التغيير
إدارة التغيير في الشركات العائلية أو أي نوع آخر من الشركات تتم وفق خطوات مدروسة تهدف إلى ضمان نجاح التحول وتحقيق الأهداف المرجوة. تتضمن هذه الخطوات ما يلي:
1. تنمية الوعي بأهمية التغيير
تُعد الخطوة الأولى هي تعزيز الشعور لدى العاملين بمدى أهمية التحول الرقمي، مع توضيح أثره الإيجابي على الشركة والعاملين فيها.
2. اختيار الفريق الداعم للتغيير
اختيار الأشخاص الذين يميلون إلى تقبل التغيير بسهولة، أو الذين يتحلون بدافع قوي لدعم الانتقال إلى مرحلة أكثر تطورًا. يُعرف هؤلاء الأفراد بـ “المتبنين الأوائل” (Early Adopters)، ويتم تشكيل فريق منهم ليكونوا نواة لعملية إدارة التغيير.
3. وضع رؤية واضحة للتغيير
يجب تحديد رؤية شاملة ومحددة، تسلط الضوء على أهداف التغيير وأبعاده الاستراتيجية وتأثيراته الإيجابية على الشركة.
4. مشاركة الرؤية مع جميع العاملين
تتطلب هذه الخطوة توصيل الرؤية بوضوح إلى البيئة الداخلية للشركة، بما يشمل المديرين، المسؤولين، والموظفين.
5. تحقيق نجاحات قصيرة المدى
دعم فكرة التغيير من خلال تحقيق إنجازات ملموسة وقصيرة المدى، مما يعزز ثقة العاملين ويشجعهم على المضي قدمًا.
6. متابعة الإنجازات بانتظام
الاستمرار في متابعة نجاحات الموظفين ومناقشة الأهداف والنتائج معهم بشكل دوري للحفاظ على الحافز وتعزيز الالتزام.
7. التواصل المستمر لنشر الرؤية
يجب أن تبقى الرؤية حاضرة في ذهن العاملين من خلال وسائل مختلفة، مثل الرسائل الإلكترونية، أو تنظيم فعاليات مخصصة لدعم التغيير ونشر فكرته.
8. ترسيخ جذور التغيير في ثقافة الشركة
بعد تحقيق النجاح في تطبيق التغيير، يصبح من الضروري ترسيخه في بيئة العمل لضمان استمراريته. الهدف هو إنشاء جيل جديد من العاملين متفتح على التغيير ويراه كنمط إداري سائد وطبيعي في المؤسسة.
أقرأ أيضا
الشركات العائلية: ما هي، وما مشاكلها (٢)
الشركات العائلية: ما هي، وما مشاكلها (١)
قد يهمك:
الحفاظ على استمرارية الشركات العائلية عبر الأجيال
أهم 9 مشاكل تواجه الشركات العائلية