مقدمة
من المواضيع التي يجب تسليط الضوء عليها لما لها من أهمية في حياتنا اليومية والعملية وحتى في الحياة الوظيفية “البيزنس”، هي فكرة الثقة في النفس “Self-confidence”، وتقدير الذات “Self-esteem”. ولكن، ما المقصود بهذين المصطلحين؟ ما هو الفرق بينهما؟ وهل هما شيئان يولد الشخص بهما أم يكتسبهما من محيطه وينميهما بخبراته؟
لا شك أن الكثير منا يمر بظروف صعبة وقاسية جداً في حياته، تؤثر فيه وتنعكس على نظرته لشخصه، ومدى ثقته في نفسه وإدراكه لقيمته الذاتية. فيبدأ بعدها في التشكيك في قدراته وفي أي عمل يقوم به “To doubt”، وهنا يبدأ الشخص في توسيم نفسه “to label oneself”، والبدء في إطلاق أحكام ذاتية مثل: “أنا غير واثق من نفسي”، “أنا لدي مشكلة في تقديري لذاتي”، وغيرها. مع أن هذا الأمر قد يكون بنسبة كبيرة شيئاً لا أساس له من الصحة. ولذلك رأينا أن نستوفي في موضوعنا هذا مشكلة الثقة في النفس “Self-confidence”، وتقدير الذات “Self-esteem” ونناقش تفاصيلها.
الفرق بين الثقة في النفس وتقدير الذات
غالباً ما يستخدم مصطلح الثقة في النفس وتقدير الذات للدلالة على معنى واحد عند التعبير عن شعور المرء تجاه نفسه. وعلى الرغم من تشابه هذين المصطلحين للغاية، إلا أن لكل منهما مفهوم مختلف عن الآخر.
الثقة في النفس، وهي مشتقة من الكلمة اللاتينية “fidere”. أن تكون واثقاً في نفسك هو أن تكون على وجه الخصوص على ثقة كاملة في قدرتك على الانخراط بنجاح أو على الأقل بشكل كافٍ مع محيطك. والإنسان الواثق من نفسه هو الذي يكون على استعداد للارتقاء إلى مستوى التحديات الجديدة واغتنام الفرص والتعامل مع المواقف الصعبة وتحمل المسؤولية حتى في الوقت الذي تسير فيه الأمور عكس إرادته.
ومثلما تؤدي الثقة بالنفس إلى تجارب ناجحة، فإن التجارب الناجحة تؤدي إلى الثقة بالنفس. وعلى الرغم من ذلك، يمكن للإنسان أن يكون واثقاً من نفسه للغاية عند القيام بعمل ما في مجال معين يتقنه، ويشعر بالعكس حيال أمر في مجال آخر. في هذه الحالة الأخيرة، لا تكون المشكلة منحصرة في تمتع الإنسان بالثقة، بل في وجود الشجاعة التي تعد الخطوة الأولى في بدء الفعل ودخول التجربة. ثم تحتاج بعدها لحمل خطة “Plan” لنفسك، ثم تنتقل للفعل وتقيس النتائج “result” وتبني عليها ردة فعلك. فلنأخذ على ذلك مثال شخص بدأ في ممارسة الرياضة، في أول أسبوع فشل بالقيام بعدة نشاطات أو حركات معينة، ثم استمر في المحاولة لفترة أسبوعين، ثلاثة، شهر وحتى أربعة أشهر. ومع تحسن أدائه تزداد ثقته بنفسه، وهذا هو ما يحدث بالضبط في مختلف المجالات والوظائف الأخرى مثل: مسؤول المبيعات، مدير، مسوق، مطور أعمال، مدير مشروع، وغيرها. وأينما كانت التجربة ومع اختلاف مجالاتها، إلا أن الإقدام بشجاعة على الفعل هو أهم خطوة، وهي على درجة غير بسيطة من الصعوبة لأنك ستضطر إلى الخروج عن منطقة الراحة الخاصة بك “Comfort zone” وتكسر جميع الحواجز بداخلك.
بناء الثقة في النفس
مع أن البعض يعتقدون أن الأمر لا يتطلب سوى الوقوف أمام المرآة وتشجيع النفس بالخطابات الإيجابية، إلا أن شعور الخوف يكون في الواقع مصاحباً لقرار الدخول في أي تجربة جديدة ولكنه سرعان ما يختفي. وعلى العكس، يكون هذا الشعور طبيعياً جداً بل هو شعور صحي إذا تم مواجهته بشجاعة. وأكثر من ذلك، هو خوف مطلوب لأنه يحميك من اتخاذ إجراء أو خطوة أنت لست مستعداً لها. على سبيل المثال: الشخص المبتدئ في السباحة، من الطبيعي أن يكون متخوفاً من العوم، ولكن كل ما يتطلبه الأمر هو مواجهة خوفه هذا وتحويله إلى طاقة إيجابية تحفزه على تعلم السباحة وإتقانها. وفي نفس الوقت يحميه شعوره بالخوف من التصرف باندفاع وتهور كالسباحة لعمق كبير بمفرده ويتسبب في غرقه.
مفهوم تقدير الذات
وانطلاقاً من مبدأ الخوف، يمكننا التوجه لنقطة أخرى وهي تقدير الذات “self-esteem”. ومن المهم جداً الإشارة هنا إلى أن الثقة بالنفس لا ينتج عنها بالضرورة تقدير للذات، وقد لا يكون كل منهما مرتبطاً بالآخر إلى حد ما. فقد يكون لديك مستوى عالٍ من الثقة بالنفس ولكن تقديرك لذاتك منخفض. وكمثال على ذلك “المشاهير” الذين تجدهم ناجحين جداً، ولديهم ثقة كبيرة في التمثيل أو الغناء أمام آلاف الجماهير، ومع ذلك، الكثير منهم يموتون منتحرين. ومن هنا يمكن تعريف تقدير الذات على أنه تقييم الشخص لكيانه كإنسان بغض النظر عن قدراته، ومحافظته على هذه القيمة المتمثلة في إنسانيته “core” من التأثر بفشله وإخفاقه في أداء عمل ما أو مهمة معينة أو حتى خسارته لشهادة أو رسوبه علمياً. ومع أن التأثر بشكل أو بآخر شيء طبيعي، إلا أن تقديرك لذاتك يحميك من الانكسار والاستسلام لواقع الفشل، بل يمنحك القوة لتبدأ من جديد كل مرة تتعرض فيها لمشكلة ما، وتفصل بين كونك شخصاً فاشلاً وبين كونك خسرت شوطاً فقط من مباراتك في الحياة، أي الفصل بين الحدث وبين شخصك.
ويعرف كارل روجرز الـ Self-esteem على أنه مرتبط بمفهوم “unconditional positive regards” أو التقدير غير المشروط، وهو ما يعني إيمانك المطلق بقيمتك كإنسان واستغلال تلك القيمة لتجاوز أي مشكلة أو خطأ وقعت فيه. ومن أكبر الأخطاء التي يقع الإنسان فيها، هو ربط هويته وكينونته بإنجازاته لأنه في هذه الحالة يعرض نفسه للضياع وفقدان اتصاله بنفسه إذا خسر إنجازاته.
هل الثقة والتقدير موهبة موروثة أم يمكن اكتسابهما؟
من الأمور المسلم بها، أن هناك أساس بيولوجي لسلوك الإنسان، ومع ذلك فإن الاستعداد الشخصي يلعب دوراً كبيراً في تكوين مهارات الفرد وتحديد رد فعله تجاه خبراته حتى يكون أكثر تفاؤلاً وموجهاً لرؤية النصف المليء من الكوب. فما يولد الإنسان به ليس قدراً محتوماً، بل إن لديه مجموعة كبيرة من الخيارات التي يمكن أن تزيد بشكل إيجابي ثقته بنفسه وتقديره لذاته وهو ما يظهر في جوانب كثيرة من الحياة. وبذلك يمكن أن نقول أن الثقة في النفس وتقدير الذات أشياء وإن ولدت مع الإنسان فإن اكتسابها يبقى أقرب إلى الواقع من خلال ما يمر به الفرد من تجارب وما يتخذه من قرارات. ويمكن بالتأكيد تنمية كل هذه الأحاسيس في عدة مجالات شخصية، عملية واجتماعية وحتى صحية مثل ممارسة تمارين رياضية بشكل منتظم، الأكل الصحي، التفكير الإيجابي، التنمية الذاتية، وغيرها.
ومن المهم إدراك أنه لا توجد طريقة سحرية تجعلك تكتسب الثقة في النفس وتقديراً عالياً للذات، وإنما هو سلوك مستمر، ونمط معين في التفكير والتحكم في الشعور والانفعالات الموجهة حول النفس والبيئة تمكنك من تطوير مهاراتك لتؤمن بنفسك.